مما يفصح عن عناية ليبرالية بحقوق المحكومين، وفى كتابه "المرشد الأمين"(القاهرة سنة ١٨٦٢، ص ١٢٧ وما بعدها) يصف الحرية تحت خمسة عناوين فرعية، العنوانان الأخيران منها أحدهما "مدنى" والآخر "سياسى". وقد وصف الاثنين مرتبطين بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والشرعية دون أن يشير إشارة خاصة إلى "حقوق سياسية" بالمعنى الليبرالى، أما الثلاثة العناوين الأولى فهى الطبيعة والاجتماعية (أى حرية السلوك) والدينية، والحرية السياسية هى أن تكفل الدولة للفرد التمتع بماله وممارسة حريته الطبيعية (أى القدرة الأساسية الفطرية لجميع المخلوقات على الأكل والشرب والحركة .. محدودة بحاجة المخلوق إلى تحاشى أن يلحق الضرر بنفسه وبالآخرين، أنظر L, Zolondeck: political freedom Al-Tahtawi and فى مجلة Muslim World, جـ ٥٤، سنة ١٩٦٤، ص ٩٠ - ٩٧).
أما معاصر الشيخ رفاعة التركى صادق رفعت باشا فإنه كان غامضًا فى أفكاره النظرية عن الحرية، إلا أنه أكثر من رفاعة تحديدًا فى تطبيق الحرية المباشرة ببلاده، ففى مقال له سوّده أول الأمر حين كان السفير العثمانى فى فينا (وكان على اتصال وثيق بمترنيخ) ناقش صادق الفروق الجوهرية بين تركية وأوربا والوجوه التى تستطيع تركية أن تسعى فيها للإفادة من تقليد أوربا، وقد تأثر صادق تأثرًا عميقا بثراء أوربا وصناعتها وعلمها ورأى فيها أنها خير الوسائل لإحياء تركية وهو يشرح كلامه قائلا إن تقدم أوربا وازدهارها كان ثمرة لبعض الظروف السياسية وللإستقرار والطمأنينة، وهذه الظروف تعتمد بدورها على "الحصول على الأمان المطلق على الحياة والمال، وتحقيق شرف كل أمة وكل شعب وكذلك سمعته وسمعتها، أى أنها تعتمد على التطبيق السليم لحقوق "الحرية الواجبة" (حقوق لازمه حريت)، وكانت الحرية فى نظر صادق، كما هى فى نظر رفاعة، هى امتداد للفكرة الإسلامية المأثورة عن العدل، وهى التزام من الحاكم بتحرى العدل فى أفعاله والتزام الشرع، ولكن هذه الفكرة أيضًا تقوم