للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد حدث من قبل سنة ١٨٥٦ م، أن خاطب شناسى فى قصيدة قالها فى رشيد باشا المصلح بمناسبة قانون الإصلاح الذى صدر فى نفس هذا العام "لقد جعلتنا أحرارا (آزاد) بعد أن كنا أسرى الظلم" ثم مضى يقول "إن قانونك هو وثيقة عتق للناس (عتق نامه) وقد بين قانونك للسلطان حدوده".

والمعانى الأصيلة التى تنطوى عليها هذه الكلمات (إحلال الحرية محل العدل بوصفها ضد الاستبداد، والإيحاء بوضع قيد دستورى على سلطات السلطان) قد تطورت واتضحت فى العقدين السادس والسابع من القرن التاسع عشر الميلادى بفضل تلك الطائفة من الوطنيين الأحرار الذين عرفوا بالعثمانيين الجدد (يكى عثمانليلر). والآراء السياسية لهؤلاء العثمانيين الجدد، وإن كانت قد صيغت فى صيغ إسلامية وبذل جهد ظاهر فى إرجاعها إلى التقاليد الإسلامية، أصولها أوربية، وهى تفصح عن اقتباس عثمانى إسلامى للوطنية التحررية التى كانت شائعة فى أوربا لذلك الوقت. وكان المثال الذى يتطلع إليه هؤلاء العثمانيون الجدد هو البرلمان الإنكليزى فى وستمنستر، وقد استقوا مثلهم من التعاليم الحرة لحركة التنوير الفرنسية والثورة الفرنسية كما صاغوا تنظيمهم وتحركاتهم على منوال الجمعيات السرية الوطنية فى إيطاليا وبولنده. وكان مفتاح كتاباتهم السياسية كلمتين هما "وطن" و"حرية" (حريت)، وكانت الحرية هى اسم المجلة الأسبوعية التى أصدروها فى المنفى (لندن، يونية سنة ١٨٦٨ م - أبريل سنة ١٨٧٠ م؛ جنيف، أبريل - يونية سنة ١٨٧٠ م). وفى هذه المجلة وفى غيرها من كتاباتهم راح المثاليون لهؤلاء العثمانيين الجدد، وأولهم نامق كمال يعبرون عن تفسيرهم للحرية أى سيادة الشعب التى تكفلها الحكومة الدستورية التمثيلية (انظر على سبيل المثال المقال الذى نقله عن (حريت" ونشره. M Colombe باللغة الفرنسية فى Orient، عدد ١٣، سنة ١٩٦٠، ص ١٢٣ - ١٣٣). وكان الواجب الأول للحكومة، فى نظر كمال والكتاب المسلمين المتقدمين، هو بعدُ الحكم بالعدل، ولكن العدل لا يعنى فحسب العناية بخير