الإسلام، فقد ظن أنه يمكن بالتجارب القائمة على الخواص الخفية للحروف النفوذ إلى أسرار الله وإدراك الحقائق القدسية. والأسماء الحسنى التسعة والتسعون هى المادة الجوهرية لهذا الضرب من التفكر. فأصول علم الحروف تطبق عليها وتستخدم فى بلوغ "الكشف". وكان لبعض آيات من القرآن وبعض الأوراد والأحزاب مثل هذا الشأن.
ويؤدى علم الحروف إلى النتائج الآتية: الأولى هى أن تمام الهوس بترديد الحروف يبدأ باجتماع الأرواح التى تهيمن على الأفلاك السماوية والنجوم. والثانية أن طبيعة الحروف وخواصها السرية تتصل بالأسماء المكونة منها. والثالثة أن الأسماء، على هذا النحو نفسه، تكشف عن الخواص الخفية للمخلوقات عن طريق الأدوار المختلفة لوجودها، ومن ثم تكشف عن أسرارها. ومن هنا فهى تهب النفوس الكاملة بالقدرة على التأثير على الطبيعة والكشف عن أسرارها فى الماضى والحاضر والمستقبل (انظر ابن خلدون: المقدمة، جـ ٣، ص ١٣٧؛ الترجمة الفرنسية، ص ١٨٨؛ الترجمة الإنكليزية ص ١٧١).
ولذلك فإن "علم الحروف الشريف"، بفضل الغاية التى يتوسل إليها، له مكان ممتاز بين الأصول الفنية للتنبؤ فى الإسلام، ذلك أنه يرتبط ارتباطًا وثيقًا "بالروحانيات" والتنجيم (انظر حاجى خليفة، جـ ٣، ص ٥٠). وينشأ شرفه أيضًا من ارتباطه الوثيق بعلم الحساب الذى يعده علماء العالم القديم الركن الجوهرى للمعرفة ذلك أن إدراك سر الحروف هو النفوذ إلى سر العقل الأول، وإدراك سر الحروف هو النفوذ إلى الروح القدس، هكذا يقول صاحب الرسالة المجهولة فى خواص الحروف (إستانبول، مخطوط البلدية، و ٥٢، ورقة ١). ويقول ابن كمال باشا المتوفى سنة ٩٤٠ هـ (١٥٣٤ م) فى "شرح الميئين"(استانبول، طوب قابى سراى، مخطوط أحمد الثالث ١٦٠٩/ ٣، ورقة ٤٦) إن هذه العلوم قد مارسها أعظم أئمة الإنسانية مثل هرمس (= إدريس) وأفلاطون، وفيثاغورث وطاليس