كتاب الحس والمحسوس لأرسطو" يستثنى اللمس والذوق باعتباره صورة للمس ويقول: ويخص قوة اللمس والذوق أنها لا تحتاج فى فعلها إلى متوسط (تحقيق عبد الرحمن بدوى، القاهرة سنة ١٩٥٤، ص ١٩٣) "وأما آلة اللمس فهى اللحم" (المصدر نفسه، ص ١٩٤).
ومهما يكن من شئ فإن الفلاسفة المسلمين فى وصفهم لما يسمونه الحواس "الباطنة" يختلفون فى الحقيقة عن أرسطو. فهذه الحواس هى قوى النفس التى تتلقى محسوسات الحواس "الظاهرة"، المفارقة على تفاوت للارتباطات المادية، فهى تحتفظ بها, وتتدبرها، وتفرق بينها، وتتعرف، من واقع خبرتها السابقة، على الصفات الأخرى لموضوعاتها. ويختلف شتى الفلاسفة بعض الاختلاف فى عدد القوى التى يميزونها، والوظائف التى يخصون بها هذه القوى, وهم فى الحق يختلفون فى المصطلحات التى يطلقونها عليها؛ وحسبنا أن نلمس هنا بعض مظاهر هذا الموضوع الذى يبلبل الأفهام.
إن الحس المشترك عند أرسطو يظهر باللفظ فحسب فى معظم النظريات الإسلامية (الحاسة المشتركة أو الحس المشترك)، ولكنه يُجَرّد من كثير من وظائفه عند أرسطو, لأنه إنما يفيد فى تنسيق المدركات الشخصية للحواس "الظاهرة". صحيح أنه قد يقال إنه يعى "المحسوسات المشتركة" ذلك أن يراعى مثلا حركة جسم حركة مستقيمة أو ملتوية، لأنه يحتفظ بالصور المتعددة للجسم فى سلسلة الأوضاع التى تشكل هذه الحركة - Al - Farabi's philoso) (phiische Abhandlungen طبعة - F. Dieteri Ci، ليدن سنة ١٨٩٠، ص ٧٥؛ ابن سينا: تسع رسائل، القاهرة سنة ١٩٠٨، ص ٦٤ وهى نسخة منقولة حرفًا بحرف عن الفارابى؛ ابن سينا - Avicen na's De Anima ص ٤٤ - ٤٥) ولكنه لا يحتفظ بهذه المدركات الحسية أى مدة من الزمن، أو يكون عنها رأيًا؟ وهذه الوظائف تنتمى إلى القوة المصورة (أو الخيال) والقوة المفكرة (أو المتخيلة)