الجزيل حتى انه حذر أبا نواس حين بدأ هو أيضا ينظم فى الزهديات من الافتيات على باب قد أنشأ أبو العتاهية لنفسه حقا مقررا فيه. أخبار أبى نواس، القاهرة سنة ١٩٢٤، ص ٧٠). وقد شك النقاد المتأخرون، ولهم بعض العذر، فى صدق انصرافه إلى الزهد وخاصة الزاهد الحق أبو العلاء المعرى الذى أشار إليه بقوله؛ ذلك الفتى الأريب (ابن فضل الله: مسالك الأبصار، ج ١٥، مخطوط بالمتحف البريطانى رقم ٥٧٥، ورقة ١٣٦).
وثمة تهمة أكثر تواتراً من ذلك وجهت إلى أبى العتاهية. وهى تهمة الزندقة التى كانت سلاحاً أثيرا لدى أهل هذا العصر. وقد رأى كولدسيهر أننا يجب أن نلتمس سببا من أسباب سجنه مرات فى النزعة المخالفة لمذهب أهل السنة التى كانت طهر فى بعض قصائده أحياناً. ولم يتلق أبو العتاهية دورساً فى الدين ولذلك يظهر أنه تاثر بذلك التراث المعدل من العقائد المانوية الذى كان مايزال شائعاً فى العراق، وهو الذى كان السبب فى قيام الفتن فى هذا العالم لقوله بوجود جوهرين هما الخير والشر وإن كان أبو العتاهية قد رأى أنهما كلاهما من خلق الله. وقد يكون فى بعض أبياته أيضا مثل:
اذا أردت شريف الناس كلهم ... فانظر إلى ملك فى زى مسكين.
وله بوادر هوى خفى مع موسى الكاظم ومع دعوة أئمة الشيعة التى كانت لاتزال قوية فى الكوفة.
ويرجع نجاح أبى العتاهية العجيب فى ميدان الشعر إلى بساطة لغته وتدفقها وبعدها عن الصنعة مما يميزه عن بعض معاصريه الذين عرفوا بالصنعة المتكلفة، كما أنه كان يعبر عن مشاعر الناس بشعر يفهمه الناس. وكان من حسن حظه أيضا تلك الصداقة التى انعقدت بينه وبين إبراهيم الموصلى فأتاح له ذلك أن يلحن الكثير من قصائده أعظم موسيقى فى عصره. وكان هو ومعاصره الأصغر منه أبان ابن عبد الحميد أول من نظما من