ويشير اللقب الذى كان يطلق عليه أحياناً وهو"رهين المحبسين" إلى عزلته وعماه، ومع ذلك فإنه لم يمكَّن قط من أن يعيش عيشة النُسَاك، وقد وجد أبو العلاء فى المعرة ما فاته فى بغداد من الشهرة والمال. ووفد عليه الطلاب من الجهات البعيدة ليقرأوا عليه. وتدل الرسائل التى نشرها مركوليوث على أنه كان كثير التراسل مع العلماء الذين كانوا تواقين إلى الإفادة من علمه ويذكر الرحالة والشاعر الفارسى ناصر خسرو الذى زار المعرة عام ٤٣٩ هـ (١٠٤٧ م) أى قبل وفاة أبى العلاء بأحد عشر عاماً، أنه كانت له سلطة مطلقة فى المدينة، كما كان له مال وفير وزعه على الفقراء. على حين عاش هو عيشة الشظف كأنما هو ولى من الأولياء. وأمضى أبو العلاء حوالى أربعين عاماً فى عزلة ولكنه لم يخلد فيها إلى الكسل، نعرف ذلك من قائمة مصنفاته الكثيرة التى ألف معظمها خلال هذه المدة، وتوفى أبو العلاء عام ٤٤٩ هـ (١٠٥٨ م).
وهو يدين بشهرته فى المشرق إلى مجموعة أشعاره الأولى المسماة بـ "سقَط الزَنْد" وتوجد منها عدة مخطوطات بالمكتبات الأوروبية. وقد طبعت هذه المجموعة فى أول الأمر ببولاق عام ١٨٦٩ م، ثم فى بيروت عام ١٨٨٤ م. واتخذها ريو C. Rieu موضوع رسالة له De Abul Ala via et (carminbus بون، سنة ١٨٤٣ م). وأهم الشروح المعروف هو شرح أبى العلاء نفسه المعروفة بـ "ضوء السقط" وشرح للميذه التبريزى. ومعظم أشعار سقط الزند نظمها أبو العلاء قبل رحلته إلى بغداد، وتشمل هذه المجموعة أيضا بعض قصائد نظمها فى تاريخ متأخر عن ذلك. وهى تحتوى على مدائح ومراث ومقطوعات نظمت فى مناسبات مختلفة وغير ذلك، وخص جزءا منها "الدرعيات" ولم يكن أثر المتنبى ظاهرا فر، الأسلوب الذى توخى فيه الصنعة البلاغية فحسب، بل فى تلك الحرية التى تجاهل فيها القواعد المأثورة. ومع أن الشاعر تند منه فى بعض الأحيان بوادر