الأولى فيما يمكن أن نسميه "الكوميديا الإلهية" Divina Commedia أو هى فى الحقيقة قصة جريئة خلط فيها الجد بالهزل وسخر فيها من العقائد والأفكار الإسلامية التى تتعلق بالحياة الأخرى، وهى تحتوى إلى جانب هذا على قدر كبير من المعارف المتنوعة، وعلى حديث عن الزنادقة بنوع خاص، مع شواهد من أشعارهم وأنظار فى طبيعة معتقداتهم. ونشر وترجم مركوليوث مكاتبات أبى العلاء وعلق عليها تعليقات قيمة، وكتب سيرة مسهبة له (أكسفورد سنة ١٨٩٨ م) ولم يبق إلا القليل من مؤلفاته الأخرى التى تبلغ حوالى الستين مؤلفاً.
وقد حدث جدل طويل حول عقيدة أبى العلاء فى حياته، وهو وإن لم يعدم من يدافع عنه، فقد عده الكثيرون من معاصريه زنديقًا، وشاعت عنه هذه الصفة منذ ذلك الوقت. والشواهد على ذلك من مصنفاته غامضة متناقضة، ويقال إنه صنف كتابا عنوانه "الفصول والغايات" قلد فيه القرآن (كولدتسيهر Muhamm. Studien ج ٢، ص ٤٠٣) ولكنه هاجم بشدة ابن الراوندى فى رسالة الغفران، لأنه قام بنفس هذا العمل، كما انه أخذ بعقيدة أهل السنة فى إعجاز القرآن. وهو دىان بدا أنه تحدث فى بعض شعره فى اللزوميات كما يتحدث المسلم الورع، وقد فسر هذا على عدة وجوه، ولكن أعجبها الفرض الذى يقول إن أفكاره كانت مقيدة بصعوبة القافية التى التزمها فى أشعاره، وليس أمامنا إلا القول بأنه كان قى أعماقه متشككاً قوى الشك، وأن معظم أقواله البارزة تتجه هذا الاتجاه، والراجح أن الفقرات التى تدل على إيمانه، كان يقصد بها ذر الرماد فى أعين النقاد، أو ربما كان فى بعض الأحيان يضع شكوكه موضع الشك، ولم ير بأسا فى أن يكون لقوسه وتران. والذى يقرأ له يذكر لوسيان - Lu cian كما يذكر لوكريتوس وكان أبو العلاء يؤمن بالتوحيد بيد أن إلهه ليس إلا قدرا غير مشخص، كما أنه لم يأخذ بنظرية الوحى الإلهى، فالدين عنده من صنع العقل الإنسانى ونتيجة للتربية والعادة. وكان الشاعر يهاجم مراراً