الفنية للحصار في داخل شبه جزيرة العرب، ولم تكن ثمة أسوار دفاعية إلا في الطائف وحدها، وكان هؤلاء العرب من الناحية النفسية يكرهون شأن البدو الرحل بناء الأسوار أو الجدران والأبنية المصمتة. فلما توغلوا في العالم الإسلامى شرقًا كان لا بد لهم من اكتساب هذه المهارات، ذلك أن بلاد فارس كانت حافلة بالقلاع وبالمواقع الحصينة وبخاصة في مناطق مثل آذربيجان وفارس، وإقليم قزوين، وخراسان (انظر Iran: Spuler، ص ٤٩٩ - ٥٠٢). وكانت تقوم أقصى من ذلك شرقًا في مناطق لم يبلغها العرب عدة عقود من السنين، القرى الحصينة، وأملاك خوارزم التى اكتشفها الأثريون السوفييت حديثا (انظر S.P.Tolotov في Auf den spuren der Altchoresmischen kul- tur، برلين، سنة ١٩٥٣، ص ٧٣ وما بعدها).
وقد استخدم الفرس عندما هاجم العرب مدائن كسرى المعروفة باسم طيْسفُون سنة ١٦ هـ (٦٣٧ م) مجانيق ثقيلة وآلات أخرى أخف منها (عرّادات) لصد القوات العربية، ولكن رجلًا يدعى سعد شيرزاد صنع للعرب عشرين منجنيقا، وبعد ثلاث عشرة سنة استخدم العرب المجانيق في حصار إصطخر (الطبرى، جـ ١، ص ٢٤٢٧؛ ابن الأثير، جـ ٢، ص ٣٩٦؛ البلاذرى، ص ٣٨٩).
وفى العصر الأموى تذكر المصادر، وبكثرة، استخدام العرب للأساليب الفنية لحصار أسوار المدن والمواقع الحصينة في شرقى إيران. وفى سنة ٩٢ هـ (٧١٠ م) حاصر والى خراسان قتيبة بن مسلم شومان من أعمال خُتَّل، واستخدم في هذا الحصار منجنيقًا قويًا سماه (الفحْجاء) أى الفسيح الأرجل، وسقطت قذائفه الحجرية في قصر والى شومان وقتلت رجلًا، وحدث في سمرقند، بعد ذلك بعامين أن قام العرب من أتباع قتيبة بتدمير أسوارها بالمجانيق (الطبرى، جـ ٢، ص ١٢٣٠، ١٢٤٤ - ١٢٤٥؛ ابن الأثير، جـ ٤، ص ٤٣٧، ٤٥٣). وكما دل استخدام الساسانيين للمجانيق في صد العرب عند هجومهم على مدائن كسرى،