فربما كانت هذه الآلات، أو على الأقل الآلات الأخفّ منها وأكثر حركة، تستخدم في القتال المكشوف، وكذلك في فرض الحصار. ومن ثم فقد دُوَنَ سنة ١٢١ هـ (٧٣٩ م) ما يفيد أن جنود نصر بن سيَّار من تميم وأزد واجهها المنتقض الحارث بن سريج بعرادتين (الطبرى، جـ ٢، ص ١٦٩٢؛ ابن الأثير جـ ٥، ص ١٧٨).
وفى العصر العباسى أصبحت الأساليب الفنية للحصار أكثر تعقيدًا، وابتكرت أساليب كثيرة جديدة في القتال مع الروم (البوزنطيين) على حدود هضبة الأناضول حيث كانت المواقع الحصينة المنيعة وافرة ولربما بدئ هنا استخدام النفي المشتعل يرمى على مواقع العدو إما بتطويحه من المقاليع في قوارير، وإما بآلات ميكانيكية. وثمة ذكر لجماعات من الجند تخصصوا في قذف النفظ (النَّفاطُون) في أحيان كثيرة. فقد استخدمهم مثلا الأفشين قائد المعتصم في حملاته على المنتقض بابك الخُرَّمى في المناطق الجبلية الوعرة بآذربيجان، وبخاصة عند حصار حصن بابك المنيع في إقليم البَذّ (الطبرى، جـ ٣، ص ١٢١١، سنة ٢٢٢ هـ = ٨٣٧ م). وفى القرن التالى قامت قوات الخليفة بقذف الرماح التى ركبت في أسنتها قوارير النفط وسميت "مزاريق النفط" على الواغلين من الديلم (مسكوية، في سقوط الخلافة العباسية، جـ ١، ص ٢٨٢، الترجمة جـ ٤، ص ٣٢١، سنة ٣٢٢ هـ = ٩٣٤ م). واستفحل الرعب من قذف الغرائر المليئة بالأفاعى بالمجانيق على معسكر العدو التابع للأمير الصفّارى خلف ابن أحمد سنة ٣٥٤ هـ (٩٦٥ م) حين حاصره المتمردون في حصن منيع من حصون سجستان (العتبى - والمنينى، جـ ١، ص ١٠١).
ولعل الجيش الغزنوي بالصورة التى تطور بها في عهد السلطان الأكبر محمود كان أعظم قوة قتال متطورة لم يعرف العالم الإسلامى لها مثيلًا من قبل، ولنا أن نتوقع أن القائمين على هذه القوة كانوا مزودين بالعدة اللازمة لفن الحصار. فقد كانت الفيلة تجر