نفسه، نشأت دويلات مستقلة في أرض الجريد، وفى توزر، وفى قابس، وفى هذه الأثناء أظهر عرب جنوبى طرابلس العداء لأبي حفص. ومن ناحية أخرى، اكتسب بنو حفص لأول مرة في تاريخهم ولاء عرب المناطق الوسطى والشرقية، ومنحوهم إقطاعات من الأراضى ومن الموارد. وفى السنوات الأخيرة من عهده ضم أمير بجاية إقليم الزاب إلى حكمه، ومنذ سنة ٦٩٣ هـ - (١٢٩٤ م) تخلى أبو زكريا عن سيطرته على جنوبى قسنطينة كله. وفى السنة نفسها اعترف أمير قابس أيضًا بسيادة أبي زكريا. ويبدأ من هنا اضمحلال نفوذ بنى حفص، كما تذكرنا معارضة بجاية لتونس بمعارضة بنى حماد لبنى زيرى.
٦ - أبو عصيدة (٦٩٤ - ٧٠٨ هـ = ١٢٩٥ - ١٣٠٩ م). ولد بعد وفاة أبيه الواثق، وعين الشيخ الموحدى العظيم ابن اللحيانى كبير وزرائه. وحاول أن ينتقص من مملكة بجاية التي كانت تسودها البلبلة سنة ٦٩٥ هـ (١٢٩٦ م)، وسرعان ما ظهر الخطر من الغرب أيضًا، لأن إقليم الجزائر كان قد خضع لبنى مرين، وحين سيطر هؤلاء على متيجة فرضوا الحصار على بجاية سنة ٦٩٩ هـ (١٣٠١ م) وتوفى أبو زكريا سنة ٧٠٠ هـ (١٣٠١ م). وبذل ابنه وخلفه أبو البقاء كل ما في وسعه للتوصل إلى صلح مع أبي عصيدة، فأبرما آخر الأمر معاهدة سنة ٧٠٧ هـ (١٣٠٧ - ١٣٠٨ م) كان هدفها إعادة توحيد الفرعين الحفصيين، وقضت هذه المعاهدة بأن تؤول الإمبراطورية الحفصية بأسرها إلى أحدهما بعد وفاة الآخر.
وفى السنوات الثلاث الأخيرة من حكمه بخاصة اضطربت ممالك أبي عصيدة اضطرابًا خطيرًا، بفعل قبائل كُعوب العربية. ونحن نعلم أنه أبرم معاهدات بعينها مع العالم المسيحى، ولكن الجزية التي فرضوها على تونس واحتلالهم جربة دفعاه إلى التمسك بمعارضته لفردريك الصقلى.
٧ - أبو يحيا أبو بكر الشهيد (٧٠٩ هـ - ١٣٠٩ م). ابن عم آخر لأبي عصيدة، نصبه مشايخ الموحدين بتونس