لقد كفانا الدكتور محمد حسين هيكل الرد على ما أثاره كاتب هذه المادة من شبهات. وذلك في كتابه القيم:"حياة محمد"، قال:
وحدث أن كانت حفصة يومًا قد ذهبت إلى أبيها فتحدثت عنده. وجاءت مارية إلى النبي [- صلى الله عليه وسلم -] وهو في دار حفصة وأقامت بها زمنًا معه. وعادت حفصة فوجدتها في بيتها، فجعلت تنتظر خروجها وهي أشد ما تكون غيرة، وجعلت كلما طال بها الانتظار تزداد الغيرة بها شدة. فلما خرجت مارية ودخلت حفصة على النبي [- صلى الله عليه وسلم -]، قالت له:"لقد رأيت من كان عندك، والله لقد سببتنى. وما كنت لتصنعها لولا هوانى عليك". وأدرك محمد [- صلى الله عليه وسلم -] أن الغيرة قد تدفع حفصة إلى إذاعة ما رأت والتحدث به إلى عائشة أو إلى غيرها من أزواجه، فأراد إرضاءها بأن حلف لها أن مارية عليه حرام إذا هي لم تذكر مما رأت شيئًا، ووعدته حفصة أن تفعل. لكن الغيرة أكلت صدرها فلم تطق كتمان ما به، فأسرته إلى عائشة. وأومأت هذه إلى النبي [- صلى الله عليه وسلم -] بما رأى منه أن حفصة لم تصن سِرَّه. ولعل الأمر لم يقف عند حفصة وعائشة من أزواج النبي [- صلى الله عليه وسلم -]. ولعلهن جميعًا وقد رأين ما رفع من مكانة مارية قد تابعن عائشة وحفصة حين ظاهرتا على النبي [- صلى الله عليه وسلم -] على أثر قصة مارية هذه، وإن تكن لذاتها قصة لا شيء فيها أكثر مما يقع بين رجل وزوجه، أو بين رجل وما ملكت يمينه، مما هو حل له ومما لا موضع فيه لهذه الضجة التي أثارتها ابنتا أبي بكر وعمر محاولتين أن تقتصا لذاتيهما من ميل النبي [- صلى الله عليه وسلم -] لمارية. وقد رأينا أن شيئًا من الجفوة وقع بين النبي [- صلى الله عليه وسلم -] وأزواجه في أوقات مختلفة بسبب النفقة، أو بسبب عسل زينب، أو لغير ذلك من الأسباب التي تدل على أن أزواج النبي [- صلى الله عليه وسلم -] كن يَجِدن عليه أن يكون لعائشة أحب، أو أن يكون لمارية أهوى.