وبلغ من أمرهن أن أوفدن إليه يومًا زينب بنت جحش وهو عند عائشة تصارحه بأنه لا يعدل بين نسائه، وأنه لحبه لعائشة يظلمهن. ألم يجعل لكل امرأة يومًا وليلة! ثم رأت سودة انصراف النبي [- صلى الله عليه وسلم -] عنها وعدم بشاشته لها، فوهبت يومها وليلتها لعائشة إرضاء للرسول [- صلى الله عليه وسلم -]، ولم تقف زينب من سفارتها عند الكلام في ميل النبي عن العدل بين نسائه، بل نالت من عائشة وهي جالسة بما جعل عائشة تتحفز للرد عليها لولا إشارات من النبي [- صلى الله عليه وسلم -] كانت تهدئ من حدتها. غير أن زينب اندفعت ولج بها الاندفاع وبالغت في النيل من عائشة، حتى لم يبق للنبى [- صلى الله عليه وسلم -] بُدٌّ من أن يدع لحميرائه أن تدافع عن نفسها. وتكلمت عائشة بما أفحم زينب وسَرَّ النبي [- صلى الله عليه وسلم -] ودعاه إلى الأعجاب بابنة أبى بكر.
وبلغت منازعات أمهات المؤمنين في بعض الأحايين، بسبب إيثاره بعضهن بالمحبة على بعضهن، حدًا هم النبي [- صلى الله عليه وسلم -] معه أن يطلق بعضهم لولا أنهن جعلنه في حل أن يؤثر من يشاء منهن على من يشاء. فلما ولدت مارية إبراهيم لجت بهن الغيرة أعظم لجاج، وكانت بعائشة ألج. ومدَّ لهن في لجاج الغيرة بهن هذا الرفق الذي كان محمد [- صلى الله عليه وسلم -] يعاملهن به، وهذه المكانة التي رفعهنَّ إليها. ومحمد [- صلى الله عليه وسلم -] ليس خليًّا فيشغل وقته بهذا اللجاج ويدع نفسه لعبث نسائه، فلا بد من درس فيه حزم وفيه صرامه يرد الأمور بين أزواجه إلى نصابها، ويدع له طمأنينة التفكير فيما فرض الله عليه من الدعوة إلى رسالته. وليكن هذا الدرس هجرهن والتهديد بفراقهن، فإن ثبن إلى رشادهن فذاك، وإلا متعهن وسرحهن سراحًا جميلًا.
وانقطع النبي [- صلى الله عليه وسلم -] عن نسائه شهرًا كاملًا لا يكلم أحدًا في شأنهن، ولا يجرؤ أحد أن يفاتحه في حديثهن. وفى خلال هذا الشهر اتجه بتفكيره إلى ما يجب عليه وعلى المسلمين للدعوة إلى الإسلام، ولمد سلطانه إلى ما وراء شبه الجزيرة. على أن أبا بكر وعمر وأصهار النبي [- صلى الله عليه وسلم -] جميعًا كانوا في قلق أشد القلق على ما قُدِّر مصيرًا لأمهات