المستشرقون فيجعلون مسألة حفصة ومارية وإفضاء حفصة إلى عائشة بما عاهدت النبى [- صلى الله عليه وسلم -] أن تكتمه، سبب كل الذى وقع؛ ليحاولوا بذلك أن يضيفوا جديدًا لما يلقون فى روع قرائهم عن النبىّ [- صلى الله عليه وسلم -] العربى من أنه كان رجلًا محبًا للنساء حبًا معيبًا، وعندى أن المؤرخين المسلمين لا عذر لهم فى إغفال هذه الوقائع ولها مغزاها الدقيق الذى سقنا شيئًا من أمره، وأن المستشرقين يتخطَّون الدقة التاريخية متأثرين فى ذلك بهواهم المسيحى. فالنقد التاريخى النزيه يأبى كل الإباء على أى إنسان، بلَهْ عظيم كمحمد [- صلى الله عليه وسلم -]، أن يجعل من إفضاء حفصة لعائشة بأنها وجدت زوجها فى بيتها مع مولاة له هى ملك يمينه، فهى بذلك حِلُّ له. سببًا لهجر محمد نساءه جميعًا شهرًا كاملًا، وتهديده إياهن جميعا بأن يطلقهن. والنقد التاريخى النزيه يأبى كذلك أن تكون حكاية العسل سبب هذا الهجر والتهديد. فإذا كان الرجل عظيمًا، رفيقًا كمحمد [- صلى الله عليه وسلم -]، واسع الصدر طويل الأناة متصفًا بما لمحمد من سائر الصفات التى يقر له بها مؤرخوه على السواء، كان اعتبار أىّ الحادثين لذاته سببًا لهذا الهجر والتهديد بالطلاق مما يَزْوَرّ عند النقد التاريخى وينأى عنه بجانبه أشد النأى، وإنما يطمئن هذا النقد ويستقيم منطق التاريخ إذا سيقت الحوادث المساق الذى لا مفر معه من أن تؤدى إلى نتائجها المحتومة، فتصبح بذلك أمورًا طبيعية يسيغها العقل ويرضاها العلم. وما فعلنا نحن هو فى نظرنا المساق الطبيعى للحوادث، وهو الذى يتفق مع حكمة محمد [- صلى الله عليه وسلم -] وعظمته وحزمه وبعد نظره.
ويتحدث بعض المستشرقين عما نزل من الآيات فى مستهل سورة التحريم مما نقلنا هنا، ويذكر أن كتب الشرق المقدسة جميعا لم تشر إلى مثل هذا الحادث المنزلى على هذه الصورة. وما أحسبنا فى حاجة إلى أن نذكر ما ورد بالكتب المقدسة جميعًا والقرآن من بينها، عن قوم لوط ونقيصتهم، وما كان من مجادلتهم الملكين ضَيْفَى لوط، ولا ما ورد فى هذه الكتب عن إمرأته وأنها كانت من الغابرين. بل إن التوراة لتقص نبأ ابنتى لوط، إذ سقتا أباهما حتى ثمل ليلتين متتاليتين ليمس كل واحدة منهما ليلة كيما يخصبها فتلد،