للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

النبي [- صلى الله عليه وسلم -] حتى تحسَّر الغضب عن وجهه وحتى ضحك فلما رأى عمر ذلك منه ذكر له أمر المسلمين بالمسجد وما يذكرون من طلاقه نساءه. فلما ذكر النبي [- صلى الله عليه وسلم -] أنه لم يطلقهن استأذنه في أن يفضى بالأمر إلى أولئك المقيمين بالمسجد ينتظرون. ونزل إلى المسجد، فنادى بأعلى صوته: لم يطلق رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] نساءه. وفى هذه القصة نزلت الآية الكريمة:

{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٢) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (٣) إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (٤) عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} (١).

وبذلك انتهى الحادث، وثاب إلى نساء النبي [- صلى الله عليه وسلم -] رشادهن، ورجع هو إليهن تائبات عابدات مؤمنات، وعادت إلى حياته البيتية السكينة التي يحتاج اليها كل إنسان لأداء ما فُرض عليه أداؤه.

ما قصصت الآن، عن هجر محمد [- صلى الله عليه وسلم -] نساءه وتخييره إياهن ومقدمات هذا الهجر ونتائجه والوقائع التي سبقته وأدت إليه، هو في رأيى الرواية الصحيحة لتاريخ هذا الحادث. وهى رواية يتضافر على تأييدها ما جاء في كتب التفسير وفى كتب الحديث، وما جاء متفرقًا عن أخبار محمد [- صلى الله عليه وسلم -] ونسائه في كتب السيرة المختلفة. بيد أنه لم تكن واحدة من هذه السير تَقُصُّ الحوادث أو تضع المقدمات والنتائج بالصورة التي سردناها ها هنا. وأكثر السير تمر بهذا الحادث مَرًّا دون أن تقف عندها؛ وكأنما تجده خشن الملمس فتخشى أن تقربه. وبعضها يقف عند رواية العسل والمغافير، ولا يشير بكلمة إلى مسألة حفصة ومارية. فأما


(١) سورة التحريم. الآيات من ١ - ٥.