وعندما نبلغ الحريرى المتوفى سنة ٥١٦ للهجرة نجد فى أوائل المقامات "حكى" و"حدث" و"أخبر" و"روى" كلها مستعملة بمعنى "قص" من غير تفرقة بينها، ولكنه يستعمل أيضًا "حكى"(طبعة ده ساسى جـ ٢، ص ٤٢٠) بمدلولها القديم بمعنى "شابه". ويظهر أن هذا المعنى قد بطل استعماله فيما بعد إلى حد أن الشراح اضطروا إلى تفسيره، وقد بلغ تطور معنى هذه الكلمة نهايته عند الحريرى.
على أننا إذا رجعنا إلى أقدم مخطوطات ألف ليلة (مخطوط Galland ومخطوط سول وشمول فى توبنكن Tuebingen, ويرجع تاريخهما إلى صدر القرن الرابع عشر الميلادى - بعد سنة ٧٠٠ للهجرة) فإنا نجد "حكاية" تستعمل باطراد بمعنى "قصة" تروى للتسلية (انظر Geschichte von: Seybold Sul u. Schmul ص ١٦٤ وما كتبته عن the story of the Fisherman and the Jinni فى مواضع مختلفة؛ Festchrift: Noeldeke) ومن بين الأسماء المستعملة فى كتاب الفهرست وعند المسعودى للدلالة على مثل هذه الحكايات كلمة "أسمار" وقد عاد إليها معناها الأصلى الذى يدل بصفة خاصة على الأحاديث والقصص التى يسمر بها الناس ليلا فى حياة الصحراء. أما "خرافات" فقد تطور مدلولها فأصبح لا يدل إلا على الأساطير المستحيلة إذا قوبلت بغيرها من الحكايات التى يقبلها العقل، وإن كانت من نسيج الخيال (انظر الدميرى: حياة الحيوان، جـ ١، ص ١٨٥ س ٣١, طبعة القاهرة سنة ١٣١٣ هـ, خرافات الرياضة وجـ ٢، ص ١٠١، س ٢٥ "خرافات العرب").
ويظهر أن كلمة خرافة ما زالت تستعمل بمعنى حكاية فى طرابلس وبلاد الجزائر (انظر Marchen: Stumme aus Tripolis) .
وينتهى بنا المطاف الآن إلى سؤالين: أيمكن أن نتبع تغير معنى كلمة "حكاية" بطريقة ما وأن نفسره؟ وكيف كانت طبيعة الحكايات الأولى بالمعنى الجديد لهذا اللفظ؟ لقد وجدت دائما فى اللغة العربية أخبار وأحاديث تجد بداياتها الأولى فيما ورد فى القرآن