للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

التى عرفها القراء أنفسهم، نضرب لذلك مثلا حكاية الأحدب التى وردت فى ألف ليلة وليلة وحكاية على بن بكار وشمس النهار وهى من نوع آخر. وعلى هذا النحو دخل فى الأدب العربى لون معين جديد لا نجد له أثرًا فى كتاب الفهرست كما لا نجد فيه أثرًا للمقامة فى بدايتها الأولى: تلك المقامة التى بلغت أوجها بعد ذلك عند الهمذانى والحريرى.

وفى كتاب الفهرست ثبت بالمضحكين والندماء (ص ١٥١ - ١٥٥) وبالحكايات العجيبة، وأخبار الفساق، وحكايات الجن (ص ٣٠٤ وما بعدها). وكذلك لا نجد فى هذا الكتاب شيئا يمكن أن يقال عنه إنه يتصل بهذا النوع المعين من الأدب، وهو فن المقامات. وقد نسب ابن خلكان فى النص الذى نشره فستنفلد (رقم ٤٥١) إلى أبى الفرج الإصفهانى صاحب الأغانى كتابًا سماه "كتاب الحكايات" ولكنا نجده مذكورًا فى مصدر آخر باسم كتاب الحانات (انظر prooemium: Kosegarten فى طبعته للأغانى ص ١٩٦ وكذلك Wright: Chrestomathy، ص ٨٧, س ١١ , من المخطوط ٦٥).

مما تقدم يتبين أن نوعين جديدين من الحكايات قد بدأ فى وقت واحد تقريبًا ما بين القرن الرابع والقرن الخامس للهجرة. وكانا فى أول أمرهما متقاربين جدًا، ولكن سرعان ما افترقا إلى نوعين متمايزين كل التمايز. فالمقامة كانت فى أول أمرها "حكاية" بالمعنى الأصلى لهذا اللفظ، وحكاية أبى المطهر هى فى الواقع كالمقامة، وإن كانت لا يلقيها رجل وهو واقف، كما هى الحال فى المقامة، ولكن أبا المطهر يعتبر قصته نوعًا جديدًا يتميز عن المقامة وأنه أقرب إلى أن يكون تطورًا للحكاية بمعنى المحاكاة. وهدف كل من هذين النوعين يختلف عن الآخر. وقد عبرت عن هذا الاختلاف الأسماء التى سمى بها المؤلفون ما صنفوه منها. والمقامة نوع من القول البليغ، ولهذا دخلت فى فنون البلاغة. أما الحكاية فهى محاكاة، ولهذا اتصلت بالحركة والحياة.