فقلق هؤلاء من شهرته التى أخذت تذيع يومًا بعد يوم، ومن مريديه الذين تزايد عددهم، فبيتوا النية على اغتياله. ولما علم السلطان الموحدى أبو يوسف يعقوب المنصور بأمر هذا العالم الزاهد طلب إلى عامله بجاية أن يبعث به إلى مراكش ليتولى نقاشه بنفسه، فصدع أبو مدين بأمر السلطان عن طيب خاطر، وخرج فى ركب من مريديه يطلب عاصمة الموحدين بعد أن ودع تلاميذه ولكن عاجلته المنية وهو فى رحلته هذه على شاطئ نهر إسر، على بعد فراسخ معدودات من مدينة تلمسان، ودفن -كما أوصى- برباط العباد، قرب تلمسان، ولا يزال قبره بالعباد إلى الآن يزوره الناس من كل حدب وصوب.
ويمكن أن نلخص تعاليم أبى مدين كلها فى هذا البيت الذى كان يردده دائمًا كما يقول يحيى ابن خلدون:
"الله قل وذر الوجود وما حوى ... إن كنت مرتداً بصدق مراد".
وقد وصل أبو مدين بالتزامه الشديد بهذا المبدأ إلى أقصى مراتب الصوفية فتجردت نفسه التجرد كله، واتحد بالله -الذى كان يحده إلى آخر نسمة من حياته بقوله:"الله الحق"- اتحادًا تامًا. وآثار أبى مدين التى كتبها عبارة عن قليل من الأشعار الدينية الصوفية و"وصية" و"عقيدة"(انظر فهرس المخطوطات العربية للمكتبة الأهلية بباريس، رقم: ١٢٣٠، ١٠؛ ٣٤١٠؛ ٤٥٨٥، ورقة ١٥. وكذلك فهرس مخطوطات المكتبة الأهلية بالجزائر، رقم ٣٧٦، ورقة ٣٩؛ ٥٩٩، ورقة ٣، ٩٣٨، ورقة ١ - ٩؛ ١٨٥٩؛ ورقة ٧٣). وقد دفن أبو مدين مشيعًا بجموع حاشدة من أهل تلمسان، وكان جنازه فرصة ليظهر أهل تلك المدينة فيها تقديرهم الكبير للصوفى. وصار أبو مدين منذ ذلك ولى تلمسان وحاميها، وازدهرت هذه المدينة ببركاته، كما نمت مدينة العباد حول قبره. وبنيت قبة أبى مدين بعد وفاته بقليل من الزمن بأمر السلطان