للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أثناء قيامه بالتقليد المُسَلِّى والمحاكاة المعبرة، بل يرتدى لوازم ترمز إلى الشخصيات التى كان يرغب فى تقليدها. ويبدو أن هذه المهنة اضمحلت فى تركيا كما اضمحلت فى البلاد الإسلامية الأخرى، وبخاصة فى مصر، حيث ألف شخص يدعى أحمد فهيم الفار فى بداية هذا القرن فرقة قدمت فى القاهرة تمثيليات لاقت رواجًا كبيرًا بفضل مهارته فى تقليد صراخ الحيوانات وفى إخراج مشاهد مختلفة (انظر J. Landau، المرجع السابق، والمصادر التى استشهد بها؛ ولا نستطيع أن نغفل هنا القول مرة أخرى بأن الحكاية مشتقة من الجذر ح. ك. ى أو ح. ك. و، ومنها حَكَاوَاتى المستعمل فى الشرق مرادفًا لراوى الحكايات الذى ترتبط محاكاته ارتباطًا وثيقًا بالمعنى المتقدم لكلمة "حاكية".

ومنذ القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) نجد عناصر المحاكاة (انظر. J Horovitz: المصدر المذكور، ص ٢١ - ٢٧) تظهر فى أسلوب المقامة على أن هذا الضرب من الأدب استقل بفضل النشاط الأدبى لبديع الزمان وخلفائه فى "الحكاية" بمفهومها الصحيح. ومن ناحية أخرى ظهر فى الحقبة نفسها، أى فى بداية القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) عمل فريد فى الأدب العربى، يعيد إلى الأذهان المقامة، إلا أنه يختلف عنها فى الأسلوب الفنى إختلافًا واضحًا كل الوضوح: هو حكاية أبى القاسم البغدادى لأبى المطهر الأزدى (طبعة آدم ميتز، Abulkasim) ويعد هذا العمل علامة على فترة جديدة وإن كانت قصيرة فى تطور معنى المصطلح "حكاية". ويستعيد المؤلف فى مقدمته الفقرة نفسها للجاحظ التى سبق بيانها، وهذه الإشارة، تبرر فى رأيه ابتداع نمط جديد من الكتابة ربما يضع شخصية مفردة على المسرح تمثل عقلية سكان قصبة الخلافة؛ ويعد أبو المطهر فى مقدمته أيضًا بكتابة "حكاية بدوية" وهى تصور السلوك البدوى، ولم يقدر لهذه الحكاية البقاء. وفى النص الذى وصل إلينا نجد أن بغداد هى مسرح حوادث الحكاية التى تجرى فى وسط برجوازى، وأن البطل أبا القاسم ليس إلا ضربًا من العيّارين