للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الذين يُسَلُّون هذا المجتمع بسلسلة من النكات والتعليقات الساخرة المجنحة؛ وبعد وجبة العشاء يروح المعربدون فى غيبوبة من السكر، فلا يوقظهم إلا صوت المؤذن، وهنالك يعظهم أبو القاسم ويؤنبهم على فسوقهم (انظر F. Gabrieli فى مجلة Rivista degh studi ornentali؛ سنة ١٩٤٢, ص ٣٣, ٤٥). ويتيح لنا الشاهد المنقول عن الجاحظ أن ندرك المعنى الذى أراد المؤلف أن يبثه فى هذه الحكاية، التى هى تمثيل واقعى للسلوك المأثور فى بغداد، وصورة منتزعة من حياة الواقع، وهذا هو السبب فى أن آدم ميتز قد ترجم عنوان هذه التمثيلية بما يأتى: ein bagdader sittenbild. إذ كان من المستحيل كل الاستحالة أن تترجم "حكاية" بكلمة "قصة". كما نجد أبا المطهر فى محاولته أن يستحدث "نمطًا" قد أظهر شيئًا من التفوق على الجاحظ الذى اقتصر فى دراساته لأنماط السلوك، وبخاصة فى كتابه البخلاء، على وضع النوادر بعضها إلى جانب بعض دون أن يبلغ مبلغ التوفيق أو التنسيق بينها.

ومع ذلك، فإن حكاية أبى المطهر هذه التى لم يقلدها فيما يظهر أحد تثير عدة مشكلات، فمن ناحية، نجد أن صلاتها بالمقامة غير واضحة، مع التسليم بأن المؤلف، وتفصيلات حياته غير معروفة, متأخر بلا شك عن بديع الزمان؛ وأنه بلا ريب قد أراد إبتداع أسلوب مميز. ومن ناحية أخرى، نجد أن ماكدونالد D.B. Macdonald (فى صدر هذه المادة) يرى أن السبب فى التطور الذى انتهى بالحكاية، يجب أن يلتمس فى تأثير المذهب الأرسطى المعروف باسم "ميميسس" فى الفن (فن الشعر- Poet ics، جـ ١ - ٤)؛ والحق إن متى بن يونس فى ترجمته لكتاب فن الشعر (تحقيق عبد الرحمن بدوى، فى فن الشعر، طبعة القاهرة سنة ١٩٥٣، ص ٨٦ وما بعدها) يستعمل كلمة حكاية ليترجم الكلمة اليونانية ميميسس (فى حين يستعمل عبد الرحمن فى ترجمته الجديدة الوزن محاكاة)؛ ومن الممكن بلا شك أن فكرة الفن الأدبى على اعتبار أنه محاكاة للحياة ربما تكون هى التى أحدثت النمط الذى مثله أبو المطهر، ولكن الإشارة إلى الجاحظ تكفى إلى حد كبير