للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فى تفسير هذا الإبداع الذى كان على أية حال، بتصويره الحياة فى مشاهد، مرحلة جديدة من تطور الشكل القديم للحكاية.

وعلى مدى القرون التالية نجد أحيانًا أن فعل "حكى" يرد بمعنى "يشبه"، أو "يقلد" ولكنه كان مهجورًا إلى حد أن الشراح لم يجدوا بدًا من شرحه، حين يظهر بخاصة فى مقامات الحريرى (تحقيق ده ساسى de Sacy؛ الطبعة الثانية جـ ٢، ص ٤٢٠) والذى يستخدمه الحريرى فى بداية المقامات هو"حَدَّث", و"أخبر"، و"روى" بمعنى "يحكى"، و"يقص". واستعمال "حكى" مع حرف الجر "عن" مرادفًا لفعل "روى" كان من الاستعمالات الشائعة فترة طويلة (مثال ذلك؛ الجاحظ، فى رسالة التربيع والتدوير، الفصل ص ٥٧) وكتاب الأغانى (جـ ٨، ص ١٦٢)، الذى بلغ به الأمر أن ساق شاهدًا واحدًا على استعمال "حكى" بمعنى "روى" ونستخلص من هذا أن تطور معنى الفعل كان أسرع من تطور الاسم "حكاية" الذى يرد مع هذا فى الحصرى (جمع الجواهر، ص ٤) بمعنى "نادرة مروية" كما يرد مرة واحدة على الأقل عند الحريرى (ده ساسى، الطبعة الثانية، جـ ١، ص ١٣) ليدل على "أمثال" كليلة ودمنة، بينما يلاحظ المؤلف فى الفقرة نفسها أن مقاماته ليست سوى حكايات، أى أنها صورة جديدة للحياة المعاصرة له. ومن ثم، فإنه حين ترد كلمة حكاية بعد لتدل بالتحديد على "القصة، أو الأسطورة" فإنها تناقض معناها الأصلى كل التناقض؛ وما دام ذلك قد انطبق بلا استثناء على الحاضر، ولم يدل على تقليد للماضى، فإنه لا مناص لنا من ثم أن نذهب إلى أن الحكاية قبل أن تستعمل للدلالة على جميع أنواع القصص قد مرت بمرحلة دلت فيها على القصة المبتدعة، وإن كانت منتزعة من حياة الواقع، أو قل إنها كانت على الأقل تعبيرًا صادقًا عن الحياة: وليس بين أيدينا دليل على هذا، ولكن حكاية أبى المطهر تزودنا بحلقة متينة من حلقات السلسلة، وسوف نرى فى مراكش أن الحكاية احتفظت بمعنى القصة التى يتفاوت حظها من الصدق ما دامت غير بعيدة الاحتمال.