فى علوم الدين، مثل أبى يعزى الهزميرى، وعلى بن حرزهم، والدقاق. والدقاق هو الذى خلع عليه الخرقة التى تشهد على أنه سلك طريق الصوفية. ولكن مرشده الحق إلى سلوك الطريق هو أبو يعزى، وبإذن شيخه هذا رحل إلى المشرق، وهناك وفق إلى استيعاب ما أثر من الغزالى وكبار الصوفية.
وربما يكون قد لقى فى مكة عبد القادر الجيلانى المتوفى سنة ٥٦١ هـ (١١٦٦ م)؛ ثم عاد إلى المغرب واستقر فى بجاية حيث عرف بتعليمه وحياته المثالية. وبلغت شهرته مسامع السلطان أبي يوسف يعقوب المنصور من بنى مؤمن، وخشى السلطان على ما يظهر من سلطانه الدين الخارج على مذهب الموحدين فدعاه إلى بلاطه. فلما أصبح على مرأى البصر من تلمسان أقعده المرض وتوفى سنة ٥٩٤ هـ (١١٩٧ م) ودفن حسب وصيته الصريحة فى العباد وهى قرية على مشارف تلمسان كان يؤمها النساك كثيرا فيما يظهر، ثم أصبحت بعد دفنه فيها مكانًا له بركته الخاصة.
وإذا كانت المكانة التى يشغلها أبو مدين فى الإسلام بالمغرب عظيمة الأهمية، فإن هذا لا يرجع فى حقيقة الأمر إلى مؤلفاته، إذ لم يؤثر عنه إلا بعض قصائد فى التصوف، ووصبة وعقيدة (انظر A. Bel)؛ وإنما استحق مرتبة "القطب" و"الغوث" و"الولى" على ما نقله عنه مريدوه وما ينسب إليه من حكم، وتشيد حكمه بكمال حياة التقشف، والزهد فى خيرات الدنيا، والتواضع، والتوكل المطلق على الله. وقد جرى أبو مدين على القول:"لا ينفع مع الكبر عمل ولا يضر مع التواضع بطالة" وكثيرًا ما كان يردد هذا البيت:
الله قد وذر الوجود وما حوى ... إن كنت مرتدًا بصدق مراد
والحق إنه ليس لمذهبه فى التصوف أصالة؛ وإنما يمكن تعليل نجاح هذا المذهب وسلطانه الممتد على الزمن