مجالات سلطة الدولة، كان حتى ذلك الوقت مدخرًا للشريعة.
والتعليم مجال آخر تقلصت فيه السلطة التقليدية إذ خرّجت مدارس الدولة العلمانية والكليات الجديدة ومدارس التجارة والتعليم الفنى والبعثات الدراسية إلى أوربا، مجموعة من الإداريين المصريين الوطنيين والفنيين للعمل بالدولة، فساعدوا على زيادة تطور الإدارة العلمانية والحكومة الحديثة فى مصر.
ووقعت المرحلة الكبيرة الثانية فى تطور الحكومة الحديثة بمصر، فى حكم الخديوى إسماعيل (١٨٦٣ - ١٨٧٩) وفى هذه الفترة تدفق الأوروبيون تدفقًا على البلاد. وكان برنامج إسماعيل فى التنمية فى جميع المجالات طموحًا للغاية وسريعًا بالنسبة لموارد الدولة. وأدى هذا إلى مديونيته للدائنين الأوروبيين، وإلى إفلاسه فى النهاية وفرض الرقابة المالية والسياسية الأوروبية على الحكومة المصرية، ثم الاحتلال البريطانى فى النهاية سنة ١٨٨٢. ومع ذلك، فإن هذه العوامل جميعًا أدت إلى تغييرات فى النظام الإدارى، وكان أكثرها دلالة إنشاء "مجلس النظار" فى أغسطس سنة ١٨٧٨ ليكون مسئولًا عن إدارة البلاد. ودل هذا على أن حاكمًا مستبدًا مثل إسماعيل كان مضطرًا تحت الضغط إلى أن يستحدث صورة معدلة للنظام الأوروبى الذى يقوم على حكم وزارى. وكان أعضاء هذا المجلس أو الوزراء مسئولين عن سياسة مصالحهم التى يرأسونها أو إدارتها، كما كانت لهم السلطة على جميع الموظفين العموميين أو العاملين المدنيين فى تلك المصالح. وكان للمجلس رئيس أو وزير أكبر، أصبح فى ذلك الوقت مسئولًا عن اختيار الوزراء الآخرين.
وحتى ذلك الوقت، ساعد المجلس المخصوص حاكم مصر فى إدارة البلاد. وكان أعضاؤه، بالإضافة إلى رؤساء المصالح المتعددة بالحكومة، موظفين لدى الحاكم ولا تقع عليهم أي مسئولية خاصة. وأصبحت الدواوين الجديدة وزارات فعلية، وحل مجلس الوزراء محل "المجلس المخصوص" القديم باعتباره الجهاز الشرعى المعترف به لحكومة مصر.