ومن المحتمل أن تطوير بعض وسائل المواصلات والخدمات البريدية فى القرن التاسع عشر قد أدى بلا شك إلى جنوحها إلى السلم وإخضاعها لسلطان مركزى.
وقد استغرقت قوات الاحتلال البريطانى عامين (١٩١٨ - ١٩٢٠) لفرض بعض النظام والأمن المظهريين فى أرجاء البلاد. وأسس المفوض المدنى، تحت حكم القائد الأعلى البريطانى، نواة إدارة لحكم العراق بتكوين مصالح جديدة وحديثة فى حكومة بغداد، كان أهمها تلك التى اضطلعت بالنظام والأمن العام، خاصة وأن عدة أقاليم فى البلاد كانت تجاهر بتحديها للسلطات فى بغداد. وكذلك تلك المصالح التى تختص بالزراعة والأشغال العمومية والرى والصحة والنظافة، ناهيك عن المالية. ومورست السلطة الإدارية لمصالح الحكومة الجديدة فى طول البلاد وعرضها عن طريق تنظيم المديريات. وكان هذا بالضبط هو نفس نظام الوحدات الإدارية الذى كان موجودًا قبل الحرب العالمية الأولى، وكان عددها وقتئذ ١٦ وحدة. أما اليوم فهى أربع عشرة وحدة إدارية.
وعندما انتهى الحكم العسكرى فى أكتوبر سنة ١٩٢٨, تشكل مجلس الدولة العراقى باعتباره جهازًا للدولة مسئولًا عن الإدارة، لكنه يستمع لنصيحة موظفين بريطانيين. واستمر الحكم بوزارة عراقية، مع بعض الوصاية البريطانية على جميع فروعه فى ظل الملكية من سنة ١٩٢٢ - ١٩٣٢, وهنالك حصلت العراق على استقلالها واشتركت فى عصبة الأمم. ثم انتهى الانتداب البريطانى رسميًا وحلت محله معاهدة إنجليزية عراقية.
وكان تكوين جيش قوى بعض الشئ وقوة طيران وقوة شرطة فى العراق، ضروريًا لحكم البلاد، وبحلول عام ١٩٣٦, كانت الشعب الثلاث التنفيذية للحكومة قد تقدمت إلى حد كبير بالمقارنة بمثيلاتها فى دول الهلال الخصيب الأخرى. ولا يقل عن ذلك أهمية، تطور القضاء بالنظر إلى تفرق البلاد بين طوائف دينية وقبلية وسلالية. وبالرغم من ازدياد المركزية