الكتاب يقولون فى مثل هذه الحالات إنها لو وقعت لعامة الناس لخرجوا عن وعيهم وامتشقوا الحسام. ويربط أبو العتاهية (الديوان، ص ٢٨٦ - ٢٨٧، البيت الثالث وما بعده) بين الحلم والصمت فيقول:
(والصمت للمرء الحليم وقاية ينفى بها عن عرضه ما يكره)
ومن ثم فإن الحلم قبل الإسلام كان فيما يبدو يقوم على مزيج من الخصائص تضفى على أصحابها الذين كانوا من السادة سلطانًا أدبيًا لا ينازعهم فيه أحد.
فلما جاء الإسلام لم يكن بد من أن تتغير طبيعة الحلم تغيرا كاملا من حيث المبدأ على الأقل إذا حكمنا بالتفسيرات التى وردت عنه. والكلمة ذاتها لم ترد فى القرآن، أما الصفة الحليم التى يوصف بها الله، وإبراهيم (سورة التوبة، الآية ١١٤؛ سورة هود، الآية ٧٥) وإسماعيل (سورة الصافات الآية ١٠١) وشعيب سورة هود، الآية ٨٧) فإنها تفسر بعامة بأنها الطويل المعاناة الصابر، الذى رزق التسامح، والمتريث فى العقاب. ثم هذه الصفة هى الاسم الثالث والثلاثين من أسماء الله الحسنى. ولكن لما كان من المسلم به أن الإسلام هو نقيض الجاهلية وأن الجهل هو الصفة الأساسية لذلك العصر الجاهلى، فإن المنطق الذى لا يحيد يستتبع أن يكون الحلم هو السمة الأساسية للإسلام. وهذا هو المنطق الذى اتبعه كولدتسهير (كتابه المذكور) فيما ارتآه من أن الدين الجديد "رغب فى أن يسود حلم أرفع من الحلم الذى عرفه العرب فى وثنيتهم". وهذا الرأى المبتكر قد أحياه وبسطه حديثا إيسو تزو (كتابه المذكور آنفا، ص ٢٥) إذ ذهب إلى أن "سعى محمد [- صلى الله عليه وسلم -] " كله فى جانبه الخلقى يمكن أن يصور فى اطمئنان بأنه محاولة جريئة لمحاربة روح الجاهلية حتى آخر نفس، والقضاء عليها قضاء مبرما، وأن تحل محلها حتى النهاية "روح الحلم". على أنه ينبعث من بعض الآيات وأخصها على التحقيق الآية ٦٣ من سورة الفرقان:{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}. والحق أنه للخلاص من