نزعات العرب فإنه كان من المناسب أن تحل الحضارة محل "همجية" الجاهلية، وأن يتحول العرب إلى أناس متحضرين قادرين على أن يكبحوا جماح غرائزهم والعفو عن الإهانات، وصفوة القول أن المراد كان أن تنشر فضيلة الحلم خارج محيط الصفوة التى كان الحلم مقصورا عليهم؛ وهذا الإصلاح فى الأخلاق كان يدعمه الاعتقاد فى يوم الحساب الذى يفرض نظاما للحياة على الأرض، وفى الله الذى يجمع فى ذاته جميع عناصر الحلم والمسؤولية التى تنتقم من الناس بتطهير المذنب.
وهذا التحليل للأخلاق عند المسلمين الذى ارتآه كولدتسيهر وردده إيسوتزو ترديدا أكثر منهجية لا يثير أية معارضة كبيرة؛ يطابق تعريف هذه الفضيلة المركبة، ثم إننا نجد فى الحياة العملية أن المسلم الحق حليم بالضرورة وإن كان ثمة بقاء فكرة الحلم الجاهلية نجده فى المقام الأول فى الحقائق التى سيقت لتفسير الأصل فى القول المأثور "أحلم من الأحنف"(الميدانى، جـ ١، ص ٢٢٩). وهذا التميمى النبيل المتوفى سنة ٦٧ هـ (٦٨٦ - ٦٨٧ م؛ انظر مادة "الأحنف") لا يزال يمثل السيد الأمثل فى العصر الجاهلى؛ والحلم الذى جعله مضرب المثل يشمل العناصر الآتية: ضبط النفس، والترفق بالأعداء، وكبح جماح الغضب، والميل إلى الجد، والتبصر، وكراهية الاتهام. ومن بعد الأحنف يعد معاوية أكثر الناس حلما، على أن هذا الخليفة من ناحية ينتمى إلى أسرة لم تهدر جميع صفاتها البدوية، ومن ناحية أخرى فإن تحليل حلمه يدل على أنه قد جعل منه مبدأ سياسيا، وقد نجح بلينه فى تجريد بعض أعدائه من سلاحهم وبتسامحه من تحقيق الخضوع من جانب الآخرين قائلا إن الحرب أبهظ ثمنا من الكرم. ومثل هذا الحلم لا يعد بحال فضيلة إسلامية (انظر - H. Lam Etudes sur le regne du calife: mens omaiyade Moawia) والجاحظ الذى بذل دون سائر الكتاب القدماء أقصى الجهد فى تحليل مشاعر الأشخاص وخلائقهم لم يجد صعوبة (فضل هاشم على عبد شمس فى الرسائل، طبعة السندوبى، ص ١٠٤) فى القضاء على أسطورة حلم الأحنف ومعاوية، فقد لاحظ أن الرجلين