لم يحققا شروط الحلم الصحيح الذى يقتضى الجمع بين صفات عَدَّدَها وخاصة فى فقرة جيدة عن "كتمان السر"(طبعة مراوس والحاجرى، ص ٤٠) وقد ذكر كتاب الأدب من بعد أسماء عدة أشخاص آخرين اشتهروا بالحلم ونخص بالذكر منهم المأمون (انظر الأبشيهى: المستطرف، طبعة القاهرة بدون تاريخ، جـ ١، ص ٢٦٢) ولكن هؤلاء الكتاب اعتمدوا بعامة وفى المقام الأول على الروايات الجاهلية وروايات القرون الأولى للإسلام (انظر بصفة خاصة ابن قتيبة: عيون الأخبار، فى مواضع شتى؛ وابن عبد ربه: العقد الفريد، القاهرة سنة ١٣٤٦ هـ = ١٩٢٨ م، جـ ٢، ص ٧٥) بل إننا نجد فى الجاحظ فى الفقرة التى ذكرناها، عنصرًا جديدًا منتظرًا من كاتب معتزلى وهو أن العقل بالضرورة الذى يكبح جماح الأهواء. ومسكويه فى كتابه "تهذيب الأخلاق"(ص ٢٥) يدخل الحلم ضمن صفات أخرى، ويقول (ص ٢٣٢) إن الحلم هو "استشارة العقل". أما الغزالى فى كتابه الإحياء (الكتاب ٢٥) فيجمع بين الغضب والكراهية والحسد، ولكنه يربط بين الحلم والغضب ويصف الحلم بأنه سمو العقل والتحكم فى النفس وإخضاع الأهواء للعقل، وأما ابن سينا فإنه يدخل الحلم فى منهج الفلسفة الإغريقية. وأما الهروى (كتاب التذكرة الهروية فى الحيل الحربية، حققه وترجمه J. Sourdel Thomine فى BEt. Or جـ ١٧، سنة ١٩٦٦ - ١٩٦٧ ص ٢٣٦، ٢٤٦) فيرى أن الحلم بعد القدرة من صفات الحاكم، ونجد صاحب موسوعة شعبية مثل الإبشهى فى الفصل السادس والثلاثين من كتابه الجامع المستطرف يجمع بين العفو والحلم والوداعة وكبح جماح الغضب، ويستشهد بعدد من الأقوال المأثورة التى ترجع إلى القرون الأولى للإسلام، وختم قوله بأنه يجب على كل امريء أن يسعى إلى اكتساب هذه الصفات وتقليد الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذى كان أحلم الناس.
ونتبين من هذا أن الحلم كان يعد من الصفات المحمودة. والرأى العام الذى يقصر الحلم عمومًا على ضبط النفس ومغفرة الإهانات، فإن الحلم فى هذا