صراحة ملحوظة، وكثيرًا أيضًا ما دعا قرناءه لأن يندموا ندمه، وطلب من هؤلاء الذين يلوهونه أن يتركوه وشأنه، إذ إن لومهم لا يغريه إلا بالمزيد، كما اعتزم ألا يصلح مناهجه حتى اللحد. وكان يباهى بأنه لم يترك شيئًا مما يغضب الرب إلا الشرك (الديوان، ص ٢٨١) وسخر بجميع نظم الإسلام. ولم تكن أشعاره ضد الإسلام مستمدة على أية حال من أسس عقلية، ولكنها كانت عن حبه للمتعة التى كانت أحكام الإسلام سدًا دونها. وأخيرًا عقد آماله بمغفرة الإله وعدّ نفسه كذلك أقل شأنًا من أن يؤاخذه الله بأعماله (مكتبة الفاتح، رقم ٣٧٧٥ الورقة ١٦). وقصائده فى الزهد لا تغنى فى البرهنة على أنه تاب فى شيخوخته، وقد تكون نظمت فى أحوال عارضة، أو كانت قصائد مناسبات ترجع إلى دوافع خاصة، وإلا فثمة أيضًا متناقضات صريحة فى الديوان، ولا ينبغى أن تتخذ أدلة على تغير الرأى أو مجانبة الفجور، فأبو نواس كان أكثر اهتماما بالصورة اللامحة لأفكاره منه بالقنوع بالفكرة نفسها.
وقصائد حب النساء قليلة إذا قيست بتلك التى فى عشق الغلمان، وقيل إن أبا نواس لم يقع غير مرة واحدة فى حب فتاة مولاة تسمى جَنان. ولقد صح أن حمزة الإصبهانى أنكر هذه فى إصرار وساق ثبتاً طويلاً لنساء ادعى أن أبا نواس كان يحبهن (مكتبة الفاتح، رقم ٣٧٧٤، ورقة رقم ٧٦ وجه)، غير أن هذه لم تكن غير أسماء أخذت من قصائده وقد تكون كذلك وهمية.
وديوان أبى نواس ينتظم، للمرة الأولى فى تاريخ الأدب العربى، بابًا خاصًا يحتوى على طَرْديَات، وأكثر ما تصف كلاب الصيد والصقور والخيل، وكذلك أيضًا أنواعًا مختلفة من الصيد، وهى ملحوظة لغناها بمفرداتها اللغوية. وكان لأبى نواس نماذج لهذا الضرب من وصف الحيوانات فى الشعر البدوى القديم، غير أنه اصطنع لها فيما يظهر ضربًا مستقلاً أبعد ابن المُعْتَز فى تنميته بعد ذلك.
ولغة أبى نواس وإن كان قد استخدم فيها عبارات معاصرة دارجة، فهى فى الجملة سليمة. والأخطاء التى