ذلك بين الإرادة الخالقة والإرادة المُشَرِّعة. فإرادة الخلق هى الخلق فى ذاته، وهذه الإرادة التى تتميز عن الشئ المخلوق ليست فى مكان. وكان أبو الهذيل أول من أحدث هذه المقالة وتابعه عليها المعتزلة لتوهم. وذهب فى تقسيم "كلام" البارى عين ما ذهب إليه فى تقسيم الإرادة: فكلمة الخلق يعبر عنها بقول "كن" وهى عين الخلق وليس لها مكان تحل فيه، والكلمة المشرعة التى تشتمل على السنن والنواهى والوحى تحل فى محل حلولاً بالعَرَض.
أما فى مسألة القدر فقد اعتقد أبو الهذيل بطبيعة الحال بالإرادة الحرة، شأن المعتزلة جميعًا، ولكنه خالفهم فقط فى أن أفعال الإنسان فى الآخرة كلها جبرية. فالحركات فى الآخرة كلها ضرورية خلقها الله. إذ لو لم تكن كذلك لاحتاج الأمر إلى التكليف. وفوق ذلك فإن هذا المتكلم ذهب إلى أن الحركات فى العالم الآخر سوف تنقطع وأن العباد سيصيرون إلى سكون دائم، يرى البعض فيه لذة لهم ويرى البعض الآخر فيه آلامًا. وهذا الرأى لا يقوم على أساس دينى وإنما يستند إلى أصل منطقى، وهو أن أبا الهذيل لم ير أنه يمكن أن تكون هناك حركة بدون بداية أو نهاية. أما فيما يتعلق بفترة الحياة فقد ذهب إلى مذهب معتدل فى القضاء والقدر: فالإنسان لا يموت إلا إذا حان أجله ولو كان موته نتيجة حادث مفاجئ.
أما فى الأخلاق فقد تعرض أبو الهذيل لبحث المسألة الناجمة عن مسئولية الإنسان الخلقية ومعرفة اللحظة التى يوجد فيها الفعل، فهو لا يعترف إلا بالفعل التام الحدوث، فحال "يفعل" عنده غير حال "فعل". هذا فيما يتعلق بأفعال الجوارح، والأمر كذلك فى أفعال القلوب: فالرغبة أو الإرادة لا توجد تامة ما دامت تنقص الجوارح القدرة على تنفيذها. وهناك فكرة أخلاقية أخرى يمكننا أن نسميها بالقانون الطبيعى، فهذا المتكلم يذهب إلى أن الإنسان القادر على التفكير الذى عاش قبل نزول الوحى تجب عليه معرفة الله وبعض الشئ عن المسائل الخلقية، وذلك بالدليل النظرى، فإذا