ناهض سنة ٤٦٩ هـ ابن القشيرى الذى عاد مرة أخرى فى محاضراته بالمدرسة النظامية إلى الهجوم على المذهب الحنبلى متهمًا إياه بتلك التهمة القديمة، وهى "التشبيه".
أما أبو الخطاب الكلوذانى المتوفى سنة ٥١٠ هـ (١١١٦ - ١١١٧ م) فكان متبحرًا فى الفقه عاش بمنأى عن أى اضطراب سياسى أو قلاقل (الطبقات, جـ ٢؛ ص ٢٥٨) وقد أسدى إلى المذهب الحنبلى صنيعًا بتأليفه رسالة "الهداية" وهى مرجع مختصر ظل ردحًا من الزمن عمدة فى موضوعه. أما مصنفه "كتاب التمهيد فى أصول الفقه"، الموجود فى مخطوطة بدمشق، فمن الكتب الخليقة بالتحقيق. وثمة آثار أخرى كثيرة له يستشهد بها فى تراث هذه المدرسة، ومن ذلك رسالتان فى الاختلاف ورسالة أخرى فى موضوع ولاية الخلافة، وإن كانت هذه الرسالة موضع خلاف أكثر. ثم قصيدة موجزة فى العقيدة، وهى المعروفة "بالدالية" والتى ظلت تحفظ عن ظهر قلب فى القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى).
أبو الوفاء بن عقيل المتوفى سنة ٥١٣ هـ (١١١٠ - ١١٢٠ م): وليس أبو الوفاء واحدًا من أعاظم علماء الحنابلة فحسب بل هو أيضًا واحد من أشهر الكتاب العرب فى النثر، وكان كثير من شيوخه من الحنفية أو الشافعية. وكان فى شبابه مهتمًا بمذهب المعتزلة وعقيدة الحلاج. وقد أشرنا فيما سبق إلى المعركتين (سنة ٤٦١ هـ = ١٠٦٩ م) و ٤٦٥ هـ = ١٠٧٣ م) اللتين كان يعارضه فيهما الشريف أبو جعفر إلى ان اضطره هذا إلى إعلان توبته عما كان يعتنقه من أفكار. وقد شن سنة ٤٧٥ هـ (١٠٨٢ - ١٠٨٣ م) هجومًا علميًا عنيفًا على مذهب الأشعرية. وحدث سنة ٤٨٤ هـ (١٠٩١ - ١٠٩٢ م)، أى وقت قدوم ملك شاه ونظام الملك إلى بغداد، أن تم استدعاؤه ليشرح لنظام الملك معنى المذهب الحنبلى وأهميته. وقد حظى بسمعة حميدة وثناء عظيم لدى الخليفتين المقتدى (٤٦٧ - ٤٨٧ هـ = ١٠٧٤ - ١٠٩٤ م) والمستظهر (٤٨٧ - ٥١٢ هـ = ١٠٩٤ - ١١١٨ م) وكثر تدخله فى الحياة السياسية.