الكتاب الذى كان يقرأ ويشرح فى المساجد حسب رغبة الوزير نال رواجًا كبيرًا وحظى بشهرة لا بأس بها فى حياة مؤلفه على الأقل (الذيل، جـ ١، ص ٢٥١ - ٢٨٩).
الشيخ عبد القادر الجيلى المتوفى سنة ٥٦١ هـ (١١٦٦ م): هو مؤسس أول طريقة صوفية كبيرة، وهى الطريقة القادرية. غير أن موقفه المذهبى يصعب التثبت منه نظرًا لما تعرضت له شخصيته وأفكاره من تحريف وتشويه على يد مترجم حياته الرئيسى الشطانوفى المتوفى سنة ٧١٣ هـ (١٣١٣ - ١٣١٤ م) وكذلك الأساطير التى رواها عنه مريدوه. ولم يكن الشيخ عبد القادر ينتمى إلى المذهب الحنبلى عن طريق الدراسة فحسب، بل بحكم طبيعة مؤلفاته نفسها. فمؤلفه "كتاب الغنية" الذى حقق غير مرة هو رسالته الكبرى فى أصول الدين والأخلاق. وهنا سوف نجده قد جمع فى صعيد واحد بين كلام فى العقيدة ورسالة فى الآداب الشرعية وتلخيص لأحكام الفقه الأساسية ومبادئ أخرى - وكل ذلك مكتوب على منهج المذهب الحنبلى الذى يتسم بالورع والجهاد.
أبو الفرج بن الجوزي المتوفى سنة ٥٩٧ هـ (١٢٠٠ م) وهو فقيه ومحدث ومؤرخ، وفوق ذلك كله واعظ. كان وطيد الصلة بالحياة السياسية فى عصره. وقد تتلمذ على شيوخ من الحنابلة كان كثير منهم من المشهورين. ويرجع الفضل فى نجاحه أولًا إلى المناصب التى شغلها بفضل الوزير ابن هبيرة فى خلافة المقتفى والمستنجد. فأما الفترة البارزة فى نشاطه من حيث قيامه بالدعوة الرسمية فقد بدأت فى خلافة المستضئ (سنة ٥٦٦ - ٥٧٤ هـ = ١١٧١ - ١١٧٩ م) ولم يضع ارتقاء الناصر (٥٧٥ = ٦٢٢ هـ = ١١٧٩ - ١٢٢٥ م) للخلافة حدًا لنشاط ابن الجوزى على الفور ولكنه كان بمثابة بداية لانحدار مكانته وتدهور شأنه شيئًا فشيئًا. وقد اعتقل سنة ٥٩٠ هـ (١١٩٤ م) وحبس خمس سنوات فى أحد المنازل بواسط، وما لبث أن قضى نحبه بعد إطلاق سراحه بقليل. ونستطيع القول بأن مجموعة مصنفاته