وما وراء النهر، وأفغانستان (حيث يعترف الدستور بالمذهب الحنفى)، وشبه القارة الهندية، وكذلك امتد إلى آسية الوسطى التركية والصين. وثمة أعلام مشاهير كثيرون لهذا المذهب قدموا من خراسان وما وراء النهر. ومنذ القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) حتى دخل عصر المغول استطاع بنو مازة أن يمارسوا السلطان السياسى فى بخارى بوصفهم الرؤساء الوراثيين للحنفية فى هذه المدينة وتلقبوا بلقب "الصدر". وسن الحنفية فى خراسان منذ القرن الثالث الهجرى (والتاسع الميلادى) تشريعًا خاصًا بالرى يناسب شبكة القنوات هناك: (انظر الكرديزى زين الأخبار، ص ٨) وكان للمذهب الحنفى أيضًا أتباع فى المغرب إلى جانب المالكية أيام القرون القليلة الأولى للإسلام، وخاصة فى إفريقية أيام الأغالبة، بل لقد ساد الأحناف فى صقلية (انظر المقدسى، ص ٢٣٦ وما بعدها) وأخيرًا، نجد أن المذهب الحنفى أصبح المذهب الأثير لدى السلاطين السلاجقة الأتراك والأتراك العثمانيين. وحاز هذا المذهب الرضا المستمر لدى هذه الأسرة الحاكمة، وأصبح هو المذهب الرسمى الوحيد فى جميع أرجاء الإمبراطورية العثمانية. واحتفظ المذهب الحنفى، من حيث تراث الحكم العثمانى الأولى، بمكانته الرسمية فى تلك الولايات العثمانية السابقة ما بقى الشرع الإِسلامى سائدًا فيها، بل فى تلك الولايات التى كان معظم أهلها المسلمين يتبعون مذهبًا آخر مثل مصر والسودان والأردن، وفلسطين، ولبنان، وسورية.
ونذكر من أعلام المذهب الحنفى فى العصر السالف ممن بقيت لنا من تآليفهم كتب يتفاوت حظها من الشأن: الخصّاف المتوفى سنة ٢٦١ هـ وكان فقيهًا لبلاط الخليفة المهتدى، وقد كتب رسالة فى "الوقف" أصبحت عمدة، ورسالة فى واجبات "القاضى"، وكتابًا فى "الحيل"؛ الطهاوى المتوفى سنة ٣٢١ هـ (٩٣٣ م) وهو حنفى كان من أتباع مذهب الشافعى؛ والحاكم الشهيد