للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تجارتها الشاب ما يتصف به من محامد فعرضت عليه الزواج كما تذهب إلى ذلك الرواية السائدة، ولم يكن أبوها على قيد الحياة في حين تقول روايات أخرى إنه كان حيا وقد عارض في ذلك الزواج ولم تستطع حمله على قبوله إلا بعد أن أسكرته، وهذا من الدوافع المقبولة في الروايات الخيالية (١) وتذهب أكثر المصادر إلى أن محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] كان وقتذاك في الخامسة والعشرين، أما خديجة فكانت في الأربعين. على أن ما نعرفه من أن نساء العرب يهرمن بسرعة وأن خديجة قد أنجبت له خمسة أطفال على الأقل يجعل هذا القول بعيد الاحتمال (٢) على الرغم مما نسب إلى نساء قريش بعد ذلك من صفات في هذا الشأن لا قبل بها لغيرهن من نساء العرب (انظر الجاحظ


(١) هذا افتراء عجيب على المسلمين، فما كان المسلمون قط ليروا الإسكار من الدوافع المقبولة، ولا في الروايات الخيالية، والرواية القائلة بأن والد خديجة كان حيا إذ ذاك، وأنه لم يوافق على الزواج إلا حين سكره، رواية باطلة، بطلانها ثابت في النصوص التي أشار إليها كاتب المقال نفسه. فإنه أشار إلى ما ذكره ابن سعد في الطبقات (جـ ١، ص ٨٤ وما بعدها)، (ج ٨، ص ٧ - ١١) وابن سعد نفسه قال في الموضع الأول، بعد حكاية شئ من هذا، ما نصه: "قال محمد بن عمر: فهذا كله عندنا غلط ووهم، والثبت عندنا المحفوظ عن أهل العلم أن أباها خويلد بن أسد مات قبل الفجار، وأن عمرو بن أسد (يعنى عمها)، زوجها رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -]. وقال في الموضع الثاني ما نصه: "فإن أباها مات يوم الفجار. قال محمد بن عمر: وهذا هو المجمع عليه عند أصحابنا، ليس بينهم فيه اختلاف". فماذا بعد ذلك من دلالة لرجل منصف إذا أراد أن يقول الحق وحده؟ بل نزيد كاتب المقال مصدرًا آخر لهذه الرواية الضعيفة، لم يره ولم يشر إليه، وهو حديث رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده بإسنادين، برقم ٢٨٥١ , ٢٨٥٢ من طبعتنا للمسند، وقد بينت في شرحى للمسند ضعف هذين الاسنادين وما كان ذلك بضار أحدا إلا من أراد أن يمسك بالشبهات ويدع الحقائق.
أحمد محمد شاكر
(٢) وهذا لون آخر من ألوان المغالطة والتهافت في الغمز والتشكيك. بل هو جرأة على تغيير الواقع المشاهد. فإن الواقع المشاهد لنا ولغيرنا، في عصرنا هذا وقبل عصرنا، أن نساء العرب لا يهرمن بسرعة. بل النساء اللائى يهرمن بسرعة هن نساء الأجناس الأخرى المتهالكة، يظهر ذلك لمن يرى بعينى رأسه، لا بعين هواه. وليس فيما قاله كاتب المقال من بأس إذا كان صحيحا، ولكنه باطل يخالف المشاهد الواضح.
أحمد محمد شاكر