للأجيال اللاحقة، وهذا هو رأى الشافعي في أول أمره قبل انتقاله إلى مصر، ولكنه رأى لا يقول به أحد الآن.
وقد أخذ المسلمون منذ صدر الإِسلام بمبدأ عام في الإجماع وإن اختلفت صوره: فقد اعتمد فقه مالك بن أنس إلى حد كبير على اتفاق أهل "المدينة"، بلدة النبي، وهذا إجماع محلى. وكثيرًا ما كان يعول على إجماع أهل المدينتين الكوفة والبصرة (أهل الأمصار) ومن كان فيهما من حشود الرجال المحنكين الذين اشتركوا في الفتوحات الإسلامية الأولى؛ وكان إجماع الصحابة بطبيعة الحال أمرًا مأخوذًا به عند الأجيال اللاحقة بصفة قطعية. والشافعي وحده هو الذي جعل من هذا المبدأ العام "أصلًا" مقررًا يعتمد عليه إلى جانب الأصول الثلاثة الأخرى. وإذ كان الإجماع لايتعرض للمسائل التي لم تبت فيها الأصول الأخرى فإنه قد أصبح هو الذي يطبع بطابع التوكيد ما يقرره أصل آخر. ويرجع هذا الشأن الذي للإجماع إلى "العصمة" من الوقوع في الخطأ، وهي ميزة خص الله بها المسلمين. ويقال عادة في كتب الشافعي: إن كذا وكذا من القرآن الكريم أو السنة هو الأصل المعتمد عليه في أمر كذا "قبل" الإجماع وينكر الوهابيون اليوم تعميم هذا المبدأ (يتبعون في ذلك المذهب الظاهرى الذي اندرس الآن) ويقصرون الإجماع على اتفاق الصحابة. وهناك "فِرَق" -كالشيعة والإباضية- لا تدخلَ بطبيعة الحال في "إجماع" أهل السنة.
ومنطوق هذا المبدأ الذي قرره الفقهاء هو كما ذكرناه آنفًا؛ ولكن تطبيقه كان في الحقيقة أوسع من ذلك. والحديث النبوى الذي يعد أساس الإجماع هو:"إن أمتي لا تجتمع على ضلالة"، يضاف إليه الآية ١١٥ من سورة النساء التي يتوعد فيها الله "من يتبع غير سبيل المؤمنين"، والآية ١٤٣ من سورة البقرة {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}(انظر شرح البيضاوى)؛ وعلى هذا فإنه يكون في مقدور الناس أن يخلقوا بطريقة تفكيرهم وأعمالهم عقائد وسننا، لا أن يسلموا بما تلقوه عن طريق آخر فحسب. وبفضل الإجماع أصبح ما كان في أول أمره "بدعة"(أي فعلة مخالفة للسنة وبذلك تكون ضلالة) أمرًا مقبولًا