للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وتثير هذه الشعائر الملاحظات الآتية: كان بِكَر C.H. Becker أول من أشار إلى العلاقة بين المنبر الإِسلامي ومقعد القاضى في الجاهلية (١)، وهذا يفسر السبب في توكئه على عصا أو سيف أو قوس، ذلك لأن هذه الأدوات كانت من لوازم القاضى العربي في الجاهلية. وليس من اليسير أن ندرك لماذا تسبق الخطبة صلاة الجمعة في حين تسبق الصلاة في العيدين وغيرهما الخطبة (٢). وينبئنا الحديث بأن مروان بن الحكم كان أول من غيَّر هذا النظام بأن خطب الناس قبل الصلاة في العيدين (انظر البخارى، كتاب العيدين، باب ٦؛ وانظر خاصة الصورة المحركة للنفس الواردة في صحيح مسلم، كتاب العيدين، حديث ٩).

وقد روى أيضا أن مروان كان أول من خطب الناس في العيدين على منبر، وأن السنة القديمة كانت تقضى بالصلاة بلا منبر ولا أذان. وتذهب مصادر أخرى (مسلم: كتاب الإيمان, الحديثان ٧٨ , ٧٩؛ وشرح النووى عليهما) إلى أن الخطبة قبل الصلاة تعود إلى عثمان بل إلى عمر (٣). ورأى جمهور المحدثين أن ذلك بدعة، سببها نزوع الأمويين إلى العمل لصالح دولتهم أكثر من العمل على صالح الدين. وإذا صح هذا الرأى، فإن هذه


(١) هذا غير صحيح. فإن الثابت في الأحاديث التي لا شك في صحتها أن رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] كان يخطب قائما بين الناس، ثم أشار عليه بعض أصحابه باتخاذ المنبر، فصنع له من ثلاث درجات، وكان يخطب عليه إلى آخر حياته. وليس هناك ما يشير إلى تقليد هذا لمقعد القاضى في الجاهلية. ثم لو كان لم يكن به بأس، وما ندرى ما علاقة هذا بأحكام الخطبة؟ وانظر بعض ما ورد ذلك في مسند الإِمام أحمد بن حنبل (بتحقيق أحمد محمَّد شاكر) في الحديث رقم ٢٢٣٦، وفي البخاري وشرحه فتح الباري (ج ٢، ص ٣٢٩ - ٣٣٢ طبعة بولاق) وتاريخ ابن كثير: البداية والنهاية، ج ٦ ص ١٢٥ - ١٣٢).
(٢) ليس لهذا سبب يدركه كاتب المادة أو غيره، ، لأن هذه عبادة أمر الله بها رسوله [- صلى الله عليه وسلم -]، وأمره أن يبلغها للناس ويعلمهم إياها، وعليهم القبول والطاعة.
(٣) سوق الكلام على هذا النحو يوهم أن الرواية التي تذكر أن عثمان فعل ذلك وأن عمر فعله أيضا -رواها مسلم في صحيحه! وهو غير صحيح، فإن مسلما لم يرو هذا قط في صحيحه, بل ذكره النووى في شرحه، وعقب عليه بأنه "ليس بصحيح". انظر شرح مسلم للنووى (ج ٦ ص ١٧١ - ١٧٢ طبعة محمود توفيق بمصر) وهو الموضع الذي يشير إليه كاتب المادة. وقد فصل القول في ذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري (ج ٢ ص ٣٧٦ طبعة بولاق).