ودروسهم. على أن الخطيب البغدادى كان فيما يظهر يعاني من عداء الحنابلة له، وكان عددهم في بغداد كثيرًا إذ ذاك ونفوذهم قويًّا. وقد اعتنق الخطيب مذهب الشافعية بعد أن كان في أول أمره من الحنابلة، ودان بآراء في الدين متشددة في أشعريتها فجر عليه ذلك سخط أتباع الإِمام أحمد الذين كانوا يناهضون جميع الآراء الفقهية الجريئة ونجح الخطيب بالرغم من معارضة الحنابلة في إملاء دروس في الحديث بجامع المنصور بفضل الحماية التي أظله بها الخليفة القائم والوزير ابن المسلمة. والظاهر أن الخطيب قد انطوت نفسه على الحقد المرير مما لاقاه من عداوة الحنابلة فكان لا يدع فرصة تمر دون أن يعرض بأحمد بن حنبل وأتباعه في دروسه وكتاباته تعريضًا لاذعًا بل كان يهاجمهم صراحة. ومن ثم اتهمته الأجيال المتأخرة بالتعصب، ووجدت طائفة من الكتب الجدلية تنال منه (انظر حاجى خليفة، جـ ٣، ص ٦٣٢). وفر الخطيب إلى دمشق عندما أدت فتنة البساسيرى الناجحة إلى القضاء على ابن المسلمة، وهناك قبض عليه الوالي الفاطمى، ولم ينج من الموت إلا بشق الأنفس، ذلك أنه فر إلى صور ثم إلى حلب. وعاد إلى بغداد بعد أن عاد السلاجقة النظام إلى هذه المدينة. وتوفي الخطيب "حافظ الشرق" فيها بعد ذلك بعام، أي في يوم الإثنين السابع من ذي الحجة عام ٤٦٣ (١٠٧١ م) في السنة التي مات فيها ابن عبد البر "حافظ الغرب". ودفن الخطيب في حضرة جمع كبير من القوم إلى جانب مقبرة بشر الحافي الطيب الذكر.
وللخطيب البغدادى مؤلفات كثيرة يقول كتاب سيرته إنها بلغت نحو مائة رسالة. وأشهرها كتاب تاريخ بغداد، وهو سجل للمحدثين الذين عاشوا في بغداد ولهذا الكتاب مقدمة في الجغرافية والتاريخ تسبق ترجمته لهؤلاء المحدثين. وقد اختصرها سالمون G.Salmon وترجم جزءا منها إلى الفرنسية ونشره. وقد استغل هذا الجزء Le Strange في بحثه A Greek Em ٩١٧ bassy to Bagdad in (المنشور بالمجلة الأسيوية عام ١٨٩٧ , ص ٣٥ - ٤٥) , وفي طبعه لنص الكتاب .. ونذكر أيضًا