للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

للمؤمنين قائدًا لهذه الجيوش الغازية، وقد وصف نفسه بهذا الوصف على السكة التي ضربها. وكان بصفته إماما على رأس الناس في الصلاة العامة، وهو الذي كان يلقى الخطبة في المسجد، وكان بوصفه خليفة ينتظر من رعاياه المسلمين أن يؤدوا له آيات التبجيل والاحترام التي كانوا يؤدونها لصاحب الرسالة المحمدية (١). وقد أفضت الفتن التي نشبت بين المسلمين أنفسهم في عهد علي بن أبي طالب إلى وضع أسس تلك النظريات عن الصفات الواجب توفرها في الخليفة، تلك النظريات التي تحددت في المذاهب السياسية ومذاهب أهل الفرق. ففي عهد بني أمية لم تكن الواجبات الدينية المقترنة بمنصب الخلافة مرعية تماما (ولو أن كثيرًا من الخلفاء الأمويين كانوا يؤمون المسلمين في الصلاة) ذلك أنهم لم يكونوا فيما يظهر يتشددون كثيرًا في أمر دينهم اللهم إلا إذا استثنينا الخليفة عمر بن عبد العزيز (ثم إن أسس العقيدة الإِسلامية وتنظيم الشريعة المحمدية قد تم معظمه في المدينة) ولم يشجع


(١) ليس ثمة ما يؤيد هذا الرأى, وهذه خطب أبي بكر وعمر عقب البيعة لهما، وفي أثناء خلافتهما، إن نطقت بشيء فإنما تنطق بتواضعهما، وبتأكيد مساواتهما مع الناس. ففي خطبة البيعة يقول أبو بكر: "أيها الناس، إنى قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن رأيتمونى على حق فأعينونى، وإن رأيتمونى على باطل فسددونى. أطيعونى ما أطعت الله فيكم، فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم، إلا إن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ الحق له، وأضعفكم عندي القوى حتى آخذ الحق منه -أقول هذا وأستغفر الله لي ولكم-" (عيون الأخبار للدينورى، المجلد الثاني ص ٢٣٤) وفي خطبة أخرى يقول: "أيها الناس إنما أنا مثلكم .. وإنما أنا متبع، ولست بمبتدع. فإن استقمت فتابعونى، وإن زغت فقومونى" (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٤ ص ١٦٧). وإذا كان عمر لم ير نفسه أهلا لمكانة أبي بكر فهل يعقل أن يرى نفسه أهلا لآيات التبجيل والاحترام التي كان يؤديها المسلمون لصاحب الرسالة المحمدية؟ فقد روى ابن قتيبة (عيون الأخبار ج ١ ص ٢٣٤) أي لما ولى عمر صعد المنبر فقال: "ما كان الله ليرانى أرى نفسي أهلا لمجلس أبي بكر. ثم نزل عن مجلسه مرقاة. فحمد الله وأثنى عليه ثم قال. . . ألا وإنى أنزلت نفسى من مال الله بمنزلة والي اليتيم، إن استغنيت عففت. وإن افتقرت أكلت بالمعروف، تقرم البهمة الأعرابية .. القضم لا الخضم" وفي خطبة أخرى له يقول: "فإن عمر أصبح لا يثق بقوة ولا حيلة إن لم يتداركه الله -عَزَّ وَجَلَّ- برحمته وعونه وتأييده .. وإني امرؤٌ مسلم وعبد ضعيف، إلا ما أعان الله -عَزَّ وَجَلَّ- ولن يغير الذي وليت من خلافتكم من خلقى شيئًا إن شاء الله، إنما العظمة لله -عَزَّ وَجَلَّ-، وليس للعباد منها شيء، فلا يقولن أحد منكم: إن عمر تغير منذ ولى، أعقل الحق من نفسى، وأتقدم وأبين لكم أمرى، فأيما رجل كانت له حاجة. أو ظلم مظلمة. أو عتب علينا في خلق فليؤذنى، فإنما أنا رجل منكم. ." (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٣ ص ١٢٤).
مهدي علام