للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الخليفة في دمشق ذلك إلا قليلًا. وتجلت مطالبة سلالة على بأحقيتهم في زعامة المسلمين في قيام فرقة الشيعة ولكن جهودهم لم تصب نجاحا سياسيًا بضعة قرون. ويرجع معظم الفضل في غلبة العباسيين إلى إدعائهم مؤازرة العلويين في مطالبهم وإلى دعوتهم الدينية النشيطة. فقد اتخذ الخليفة لنفسه في بغداد صفة جديدة، إذ أصبح راعيًا كريمًا للعلماء، كما أظهر غيرة على القيام بواجبه في الذود عن حياض الدين الإسلامي. وقد حلت بغداد بفضل رعايته وعنايته محل المدينة بصفتها مركز النشاط الديني، واستقرت المذاهب الفقهية الكبرى في صورتها الواضحة، وأصبح الخليفة ليس مجرد ملك دنيوى كما كان كثير من خلفاء الأمويين في نظر أهل التقى والورع. وزاد من هيبة الخليفة في نظر الناس تلك المراسم المعتدة التي اتخذت في بلاطه وفي المحافل التي كان يقيمها. لقد كان خلفاء الأمويين في أوائل عهدهم قريبين إلى رعاياهم، فمعاوية قد احتفظ بقدر كبير من صراحة زعماء العرب في الجاهلية وخلالهم المألوفة، فكان ينتقل بين غيره من زعماء العرب تنقل الزعيم بين أتباعه Primus inter Pares أما في العاصمة الجديدة فقد برزت تقاليد الملك الفارسية، فكان الخليفة العباسى يجلس على العرش في أبهة وجلال يحيط به حرسه وإلى جانبه السياف شاهرًا سيفه. وكان إلى ذلك يبرز في الوقت نفسه الصفة الدينية لمنصبه بارتدائه بردة النبي [- صلى الله عليه وسلم -]، كما كانت صلة القرابة بينه وبين النبي [- صلى الله عليه وسلم -] تتردد في الوثائق الرسمية وفي مدائح المادحين والمتزلفين من رجال البلاط.

وضعفت رقابة الخليفة المباشرة على إدارة ملكه منذ القرن التاسع [الميلادى] بسبب ازدياد السلطة الممنوحة للوزير وتقدم دواوين الحكومة في الكفاية والدقة. وأخذت سلطة الخليفة الزمنية تضمحل حوالي ذلك الوقت بسبب تفكك الإمبراطورية الإِسلامية وقيام إمارات في شتى الولايات حتى كاد سلطان الخليفة لا يتجاوز أرباض مدينة بغداد. واقترن هذا الاضمحلال الذي أصاب سلطة الخليفة الزمنية بازدياد في الشعور بخطر منصبه الديني بوصفه الإِمام وحامى الإِسلام. كما ازداد في