للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهما خليفة الله، وظل الله على الأرض، ونجد في كتاب الماوردى (الأحكام السلطانية؛ طبعة Enger. بون عام ١٨٥٣ القاهرة سنة ١٢٩٨ وسنة ١٣٢٧، وترجمة فانيان لهذا الكتاب، الجزائر سنة ١٩١٥) أول عرض منهجى لنظرية الخلافة التي سلم بها الناس بصفة عامة. فالماوردى قد نص على الشروط الواجب توافرها في الخليفة، وهي أن يكون من قريش وأن يكون ذكرا، بالغًا، عالمًا متصفا بسلامة الحواس والأعضاء وبالرأى المفضى إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح، وبالشجاعة والنجدة المؤدية إلى حماية البيضة وجهاد العدو.

ويقرر الماوردى أن الخلافة كانت بالانتخاب على الرغم من أن هذا المنصب أصبح وراثيًا في بني أمية ثم في بني العباس، وأجهد نفسه في التوفيق بين نظرية الانتخاب وبين حقائق التاريخ التي تثبت أن كل خليفة تقريبا منذ عهد معاوية (٦٦١ - ٦٨٠ هـ) كان يعين خلفه. وظلت أسطورة الانتخاب ماثلة في سنة البيعة وكانت تؤخذ بادئ الأمر من الأمراء في بلاط الخليفة ثم من الجماعة التي ينادى بالخليفة الجديد في حضرتها، وقد حدد الماوردى مهام الخليفة كما يلي: "حفظ الدين على أصوله المستقرة وما أجمع عليه سلف الأمة وتنفيذ الأحكام بين المتشاجرين وقطع الخصام بين المتنازعين وحماية البيضة والذب عن الحريم، وإقامة الحدود لتصان محارم الله وتحصين الثغور بالعدة المانعة والقوة الدافعة، وجهاد من عاند الإِسلام بعد الدعوة حتى يسلم أو يدخل في الذمة، وجباية الفيء والصدقات على ما أوجبه الشرع نصًا واجتهادًا، وتقدير العطايا وما يستحق في بيت المال، واستكفاء الأمناء وتقليد النصحاء فيما يفوضه إليهم من الأعمال ويكله إليهم من الأموال، وأخيرا أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور وتصفح الأحوال".

وتناول ابن خلدون بعد ذلك بثلاثة قرون تقريبًا موضوع الخلافة تناولا يغلب عليه النقد وناقش نظامها في مقدمته (الفصول ٢٥ - ٢٨) التي كتبها فيما بين عامى ١٣٧٥ و ١٣٧٩ ولقد جابه ابن خلدون الحقائق التاريخية واعترف بأنه لم يبق من الخلافة بعد