العجيب للإنصاف والسلام فخير الأسرى بين العودة إلى العراق دون أن يؤدوا الفدية أو المكوث في دولته. وعاد أحمد إلى أرض الجزيرة.
وانتقض على خمارويه أحد قواده، ولكنه أوقع به الهزيمة، ذلك أنه كان قد استرد شجاعته، بل تمكن بفضلها من هزيمة ابن كنداج، وكان قد حمل السلاح في وجهه من قبل، ثم أخذ خمارويه آنئذ في مفاوضة الموفق، وفي عام ٢٧٣ هـ (٨٨٦ م) اعترف بخمارويه واليًا على مصر والشام وتخوم آسية الصغرى وأرمينية مدة ثلاثين عاما نظير جزية ضئيلة يؤديها. ونشب القتال مرة أخرى عام ٢٧٣ - ٢٧٧ هـ (٨٨٦ - ٨٩٠ م) بين خمارويه والولاة المنتقضين عليه، وانتهى بالاعتراف بخمارويه سيدًا على أرض الجزيرة أيضًا. وفي رجب عام ٢٧٩ هـ (أكتوبر ٨٩٣) توفي الخليفة المعتمد وخلفه أحمد بن الموفق وتلقب بالمعتضد، وقد ثبت المعتضد خمارويه في ملكه. وأراد خمارويه أن يوثق صلته بالخليفة فعرض عليه ابنته لتكون زوجا لولده، غير أن الخليفة اختارها لنفسه وتزوجها، وقد ضحى خمارويه بأموال وفيرة لبلوغ إربه هذا، ويقال إن مهر الأميرة يقدر بخمسين ألفا من الجنيهات الإنكليزية، وكان التباين بين ثراء والي أحد الأقاليم وفقر الحكومة المركزية التي يمثلها الخليفة عجيبا في هذه المناسبة، ذلك أنه كان من المستحيل على الخليفة أن يجبى الأموال من الأقاليم لأن ولاتها المستقلين قد احتفظوا لأنفسهم بكل الدخل ولم يقدموا إليه إلا جزية متواضعة، ويروى أن الأميرة عندما جاءت إلى بغداد، بحث الخليفة ورئيس خصيانه عن شمعدانات لاستقبالها الاستقبال اللائق بها, ولكن صاحب الرواية يقول إن الخليفة لم يستطع أن يجمع أكثر من خمسة شمعدانات مموهة بالذهب والفضة، ثم سمع أن الأميرة جاءت في صحبة مائة وخمسين خادما يحمل كل منهم شمعدانا مموها بالذهب والفضة وعندئذ قال لكبير الخصيان: هلم ودعنا نختفي عن العيون حتى لا يرانا الناس في هذا الفقر. وقد اشتهرت الأميرة قطر الندى بذكائها وجمالها, ولابد أنها سيطرت