ونحن نجد مشقة كبيرة في التوفيق بين التواريخ وتحديد تاريخ مولد الخنساء على وجه التقريب، ولكننا إذا ذكرنا أن ابنها أبا شجرة كان له شأن كبير في الردة عام ١٣ هـ، وأنه ربما كان في الثلاثين من عمره إذ ذاك على الأرجح، فإنه يجوز لنا بحق أن نفترض أن الخنساء كانت بين الأربعين والخمسين، بل لعلها كانت أسن من ذلك. ومن المحقق أن العباس بن مرادس، وهو من شعراء النبي [- صلى الله عليه وسلم -]، لم يكن ابنها، وإنما كان ولد مرداس من زوجة أخرى تزوجها قبلها. وقد حاول مرداس، وكان صاحب جد وعمل، أن يفلح هو وصاحبان من أصحابه قصباء بالقرب من عين ماء، فأرادت الجن التي تسكن هذا الموضع أن تثأر منه بقتله قتلًا بطيئا، أو قل إنه قد أصابته حمى في هذا المكان الوبئ إذا شئنا أن نكون أقرب إلى الواقع.
ونقطة التحول في حياة الخنساء هي فجيعتها المزدوجة بفقد أخويها معاوية وصخر .. فإن معاوية خرج على عادة العرب ومعه ثمانية عشر رجلًا من أصحابه للإغارة على قبيلة مُرة، فاختلف في سوق عكاظ مع رجل من هذه القبيلة اسمه هاشم بن حرملة، وحاول أن يغير على أرض بني مرة فخاب سعيه وقتله دريد أخو هاشم. وأصبح لزامًا على أخيه صخر أن يثأر له، فاستطاع أول أمره أن يقتل دريدًا الذي قتل أخاه معاوية، وكان آنئذ يتماثل إلى الشفاء في بطء من أثر المبارزة (١). وقتل سلمى آخر هاشما أخا دريد، ولم يقتنع صخر بهذا الثأر المزدوج لأخيه فتابع غاراته على مُرة حتى أصيب بجرح قتال على يد رجل من فقعس، وهي بطن من أسد كانت متحالفة مع قبيلة مُرة فلزم داره أمدًا، وثقل على امرأته حتى أسلم للموت. وكانت هذه الأحداث كلها في الجاهلية، ولكن الخنساء عمرت إلى أن أدركت نصر الإِسلام المبين.
ويروى أن الخليفة عمر وعائشة نهياها عن بكائها الذي كانت تواصله على أخويها، وبخاصة على صخر.
(١) في رواية الأغاني أن الذي كان مريضا أثر الطعنة التي طعنه إياها معاوية إنما هو هاشم وليس بدريد.