للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الآتية: "لَا حُكْمَ إلا لله"، فَسَرت الجملة سير البرق إلى مَن يعتنق هذا الرأي، وتجاوبتها الأنحاء، وأصبحت شعار هذه الطائفة.

طلبوا من عليّ أن يقر على نفسه بالخطأ بل بالكفر، لقبوله التحكيم، ويرجع عما أبرم مع معاوية من شروط، فإن فعل عادوا وقاتلوا معه، فأبى علي، وكان موقفه في منتهي الدقة، فكيف يرجع عن اتفاق أمضاه، والدين يأمر بالوفاء بالعهود، ولو رجع لتفرق عنه أكثر أصحابه، وكيف يقر على نفسه بالكفر، ولم يشرك بالله شيئًا منذ آمن، فضايقوه بالإكثار من "لا حكم إلا لله" فإذا خطب في المسجد قاطعوه بقولهم: "لا حكم إلا لله" فتجاوبت بها أنحاء المسجد، ورآه أحدهم فَتَلا: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} يعرض به. وزاد بعض الناس ميلا إلى رأيهم فشلُ الحكمين في حكمهما, وخيبة الآملين في أن التحكيم يحقن الدماء ويعيد المسلمين إلى الوئام، حتى انضم إليهم بعض القراء -من جيش عليّ- فلما يئست هذه الجماعة من رجوع عليّ إلى رأيهم اجتمعوا في منزل أحدهم، وخطب خطيبهم يقول: "أما بعد؛ فوالله ما ينبغي لقوم يؤمنون بالرحمن، وينيبون إلى حكم القرآن، أن تكون هذه الدنيا .. أثر عندهم من الأمر بالمعروف والنهي عِن المنكر، والقول بالحق، وإن مُنَّ وضُرَّ، فإنه من يُمَنّ ويُضَرّ في هذه الدنيا فإن ثوابه يوم القيامة رضوان الله -عَزَّ وَجَلَّ-، والخلود في جناته، فاخرجوا بنا إخواننا، من هذه القرية الظالم أهلها إلى بعض كور الجبال، أو إلى بعض هذه المدائن منكرين لهذه البدع المضلة". ثم خرجوا إلى قرية قريبة من الكوفة تسمى "حَرُورَاء"، وسموا حينذاك بالْحَرُورية نسبة إلى هذه القرية، وبالمحكمة -أي الذين يقولون لا حكم إلا لله- وهما اسمان كثيرًا ما يطلقان على الخوارج، وأمَّروا عليهم رجلًا منهم اسمه عبد الله بن وهب الراسبى. واسم الخوارج جاء من أنهم خرجوا على عليّ وصحبه، وإن كان منهم من يشتق اسم الخوارج من الخروج في سبيل الله أخذًا من قوله