تعالى:{وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}، وسموا أيضًا "الشُّرَاة" أي الذين باعوا أنفسهم لله من قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ}. وقد حاربهم علي في الوقعة الشهيرة بوقعة النهروان، وهزمهم وقتل منهم كثيرًا، ولكنه لم يبدهم ولم يبد فكرتهم، وزادت هذه الهزيمة في إمعان الخوارج في كره عليّ، حتى دبروا له مكيدة قتله، فقتله عبد الرحمن بن ملجم الخارجى، وقد كان زوجا لامرأة قُتِلَ كثير من أفراد أسرتها في وقعة النهروان.
وظلت الخوارج شوكة في جنب الدولة الأموية يهددونها ويحاربونها حربا تكاد تكون متواصلة في شدة وشجاعة نادرة، وأشرفوا في بعض مواقفهم على القضاء على الدولة، وظل المهلب بن أبي صُفْرَة يجالدهم ويعاني في قتالهم الشدائد والأهوال السنين الطوال، مما لا محل لذكره هنا (١)؛ غير أنا نشير إلى أنهم كانوا فرعين: فرعا بالعراق وما حولها، وكان أهم مركز لهم "البَطائح" بالقرب من البصرة، وقد استولوا على كرْمَان وبلاد فارس وهددوا البصرة، وهؤلاء الذين حاربهم المهلّب، واشتهر من رجالهم نافع بن الأزرق، وقَطَرى بن الفُجَاءة.
وفرعا بجزيرة العرب: استولوا على اليمامة وحضرموت واليمن والطائف، ومن أشهر أمرائهم فيها: أبو طالوت، ونجدة بن عامر، وأبو فديك.
ولم يتغلب الأمويون على هذين الفرعين إلا بعد حروب طويلة شديدة استمرت طول عهد الدول الأموية.
ثم كانوا كذلك في الدولة العباسية، ولكن لم يكن لهم من القوة ما كان لهم في عهد الأمويين، فقد ضعف شأنهم، وانحط قوادهم.
تعاليمهم: ابتدأ الخوارج كلامهم في أمور تتعلق بالخلافة، فقالوا بصحة خلافة أبي بكر وعمر لصحة انتخابهما، وبصحة خلافة عثمان في سنيه الأولى، فلما غيّر وبَدّل، ولم يسر سيرة أبي بكر وعمر، وأتى بما أتى من أحداث وجب
(١) قد ألف الأقدمون كثيرًا من الكتب في أخبار الخوارج خاصة كالمدائنى ولكنها لم تصل إلينا، وقد جمع ابن أبي الحديد في الجزء الأول من شرح نهج البلاغة أخبارهم مطولة في موضعين من كتابه وللمزيد يمكن الرجوع إليه.