جباها قَرِحَة لطول السجود وأيديا كثَفِنَات الإِبل، عليهم قُمصٌ مرحضة وهم مشمرون". ولعل خير ما قيل فيهم ما قاله أبو حمزة الخارجى في وصف أصحابه: "شباب والله مكتهلون في شبابهم، غضضةٌ عن الشر أعينهم، ثقيلة عن الباطل أرجلُهم، أنضاء عبادة، وأطلاح سهر، فنظر الله إليهم في جوف الليل منحنيه أصلابهم على أجزاء القرآن، كلما مرّ أحدهم بآية من ذكر الجنة بكى شوقا إليها، وإذا مرّ بآية من ذكر النار شهق شهقة كأن زفير جهنم بين أذنيه، موصول كَلالهم بكلالهم، كلال الليل بكلال النهار، قد أكلت الأرض ركبهم وأيديهم وأنوفهم وجباههم، واستقلوا ذلك في جنب الله، حتى إذا رأوا السهام قد فوِّقت، والرماح قد أشرعت، والسيوف قد انتضيت، ورعَدت الكتيبة بصواعق الموت وبرقت، استخفوا بوعيد الكتيبة لوعيد الله، ومضى الشاب منهم قُدمًا حتى اختلفت رجلاه على عنق فرسه، وتخضبت بالدماء محاسن وجهه، فأسرعت إليه سباع الأرض، وانحطت إليه طير السماء، فكم من عين في منقار طير، طالما بكى صاحبها في جوف الله من خوف الله! وكم من كف زالت عن معصمها، طالما اعتمد عليها صاحبها في جوف الليل بالسجود لله! " وقد غلوا في أنظارهم حتى عدوا مرتكب الكبيرة -وأحيانا الصغيرة- كافرًا، وخرجوا على أئمتهم للهفوة الصغيرة يرتكبونها، وتشدد كثير منهم في النظر إلى غيرهم من المسلمين فعدوهم كفارًا، بل كانوا يعاملونهم أشد من معاملة الكفار. ويحكون أن واصل بن عطاء -رأس المعتزلة- وقع في أيديهم فادعى أنه (مشرك مستجير) ورأى أن هذا ينجيه أكثر مما تنجيه دعواه أنه مسلم مخالف لهم، وكذلك كان؛ واشتدوا في معاملة مخالفيهم من المسلمين، حتى كان كثير منهم لا يرحم المرأة ولا الطفل الرضيع ولا الشيخ الفانى، بل لم يرضوا من مخالفيهم أن يقولوا: إن عليا أخطأ في التحكيم، وعثمان أخطأ فيما أحدث، بل لابد أن يقر بكفرهما وكفر من ناصرهما، وطلبوا من عبد الله بن الزبير أن يتبرأ من أبيه، ولم يكتفوا من عمر بن عبد العزيز بعدله وجمال سيرته، بل طلبوا منه كذلك أن يتبرأ مما تبرأوا هم منه، وأن يلعن أسلافه من بني أمية؛ ولعل هذا التشدد وإقدامهم على سفك دماء معارضيهم هو أكبر ما شوه حركتهم.