للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والخوارج يقولون إن ممن اعتنق مذهبهم عكرمة مولى ابن عباس وأنس ابن مالك الصحابي. وكان الحسن البصري يوافق الخوارج في رأيهم بأن عليا أخطأ في التحكيم ولكن لا يعتنق مذهبهم، "وكان إذا جلس فتمكن في مجلسه ذكر عثمان فترحم عليه ثلاثًا، ولعن قتلته ثلاثًا، ويقول: لو لم نلعنهم للُعنَّا، ثم يذكر عليا فيقول: لم يزل أمير المؤَمنين علي رحمه الله يتعرف النصر ويساعده الظفر حتى حكم، فلم تحكم والحق معك؟ ألا تمضي قُدما -لا أبالك- وأنت على الحق! " (١).

وكان مما حاربهم به المهلب بن أبي صفرة اختلاق الأحاديث عليهم، فقد كان يضع الحديث ليشد به أزر قومه ويضعف به من أمر الخوارج ما اشتد، ويقول: إن الحرب خدعة. وكان حي من الأزد إذا رأوا المهلب خارجًا قالوا: "راح يكذب! " وفيه يقول رجل منهم:

أنت الفتى كل الفتى ... لو كنت تصدق ما تقول! (٢)

ولعل هذا وأمثاله هو السر فيما ترى من أحاديث كثيرة ملئت بها كتب التاريخ والأدب في ذم الخوارج.

كان أكثر من اعتنق مبدأ الخوارج عربا بدوًا، وقد انضم إليهم بعض الموالى إعجابا برأيهم الديمقراطي في الخلافة، فليس بضروري أن يكون من قريش ولا من العرب، فهم في نظرهم إلى الخلافة شعوبيون، ولكن مع هذا لم ينضم إليهم من الموالى إلا قليل، لأنهم وأكثرهم بدو شديدو العصبية لجنسهم، يحتقرون الموالى ويزدرونهم، روى ابن أبي الحديد أن رجلًا من الموالى خطب امرأة خارجية فقالوا لها: "فضحتنا"، ولولا هذه العصبية العربية الجَافة لتبعهم من الموالى كثير.

والناظر في تاريخهم يتبين فيهم سمات واضحة منها: التشدد في العبادة والإنهماك فيها، يصفهم الشهرستانى بأنهم أهل صوم وصلاة. ويصفهم المبرد "بأنهم في جميع أصنافهم يبرأون من الكاذب ومن ذي المعصية الظاهرة"، وقد قتل أحدهم زياد، ثم دعا مولاه فاستوصفه أمره؛ فقال: "ما أتيته بطعام بنهار قط، ولا فرشتُ له فراشا بليل قط! ".

ولما أرسل علي عبد الله بن العباس لأهل النَّهْرَوَان من الخوارج "رأى منهم


(١) الكامل ١: ١٣٦.
(٢) الحكاية في ابن أبي الحديد ١: ٣٨٦.