للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولو أريد بأحمد معنى الفاعل لسمى: الحماد، وهو الكثير الحمد، كما سمى محمدًا، وهو المحمود كثيرًا, فإنه [- صلى الله عليه وسلم -] كان أكثر الخلق حمدًا لربه، فلو كان اسمه باعتبار الفاعل لكان الأولى أن يسمى: حمادًا.

ثم إن الاسمين إنما اشتقا من أخلاقه وخصائله المحمودة التى لأجلها استحق أن يسمى محمدًا وأحمد، فهو الذى يحمده أهل الدنيا وأهل الآخرة، ويحمده أهل السماء والأرض، فلكثرة خصائله المحمودة التى تفوت عدد العادين سمى باسمين من أسماء الحمد يقتضيان التفضيل والزيادة فى القدر والصفة (جلاء الأفهام ١٠٧ - ١٠٨). وينقل القرطبي فى تفسيره (١٨: ٣٨ - ٨٤): وأحمد: اسم نبينا [- صلى الله عليه وسلم -] وهو اسم علم منقول من صفة لا من فعل. فتلك الصفة هي "أفعل" التى يراد بها التفضيل، فمعنى أحمد، أى أحمد الحامدين لربه.

وأما محمد [- صلى الله عليه وسلم -] فمنقول من صفة أيضًا، وهى فى معنى محمود، ولكن فيه معنى المبالغة والتكرار، فالمحمد هو الذى حمد مرة بعد مرة. كما أن المكرم من كرم مرة بعد مرة، وكذلك الممدح ونحو ذلك.

ويقول ابن قيم الجوزية: والفرق بين محمد وأحمد من وجهين:

أحدهما: أن محمدًا هو المحمود حمدًا بعد حمد، فهو دال على كثرة حمد الحامدين له، وذلك يستلزم كثرة موجبات الحمد فيه، وأحمد أفعل تفضيل من الحمد، يدل على أن الحمد الذى يستحقه أفضل مما يستحقه غيره، فمحمد زيادة حمد فى الكمية، وأحمد زيادة فى الكيفية، فيحمد أكثر حمد وأفضل حمد حمده البشر.

والوجه الثاني: أن محمدًا هو المحمود حمدًا متكررًا، وأحمد هو الذى حمده لربه أفضل من حمد الحامدين غيره. فدل أحد الاسمين "محمد" على كونه محمودًا, ودل الاسم الثاني، وهو"أحمد" على كونه أحمد الحامدين لربه، وهذا هو القياس. فإن أفعل التفضيل والتعجب عند جماعة البصريين لا يبنيان إلا من فعل الفاعل ولا يبنيان من فعل المفعول، بناء على أن أفعل التعجب