أثرت هذه الزيارات فى نفس أحمد، واتجه وجدانه الديني اتجاهًا جديدًا، فقد عرض عليه الرفاعى والجيلانى صاحبا "مفاتيح البلاد" أن يقاسماه إياها, ولكنه أعرض عنهما قائلًا إنه لا يقبل تلك المفاتيح إلا من الفتاح. ثم إنه انتصر على فاطمة بنت يرى التى كانت تسلب الرجال أحوالهم ورفض الزواج منها. وقد أورد كتاب "الجواهر" وغيره قصة لقائه لهذه المرأة على وجه أخاذ رائع. وبعد عام (٦٣٤ هـ = ١٢٣٦ - ١٢٣٧ م) رأى أحمد رؤيا أخرى سافر بعدها إلى طنطا (طندتا) بمصر، حيث بقى بها حتى وفاته، أما أخوه حسن فعاد من العراق إلى مكة. وتلونت حياة أحمد فى طنطا بآخر ألوانها وأروعها, وقد وصفت تلك الحياة على الوجه الآتى:"فصعد إلى سطح غرفته [فى إحدى الدور الخاصة]، وكان طول
نهاره وليله قائمًا شاخصًا ببصره إلى السماء وقد انقلب سواد عينيه بحمرة تتوقد كالجمر، وكان يمكث الأربعين يومًا وأكثر لا يأكل ولا يشرب ولا ينام". ومن الواضح أن أحوالًا كهذه وغيرها مستعارة من حياة نساك الهند (اليوجا). ولقى فى طنطا وما جاورها أصدقاء كما لقى خصومًا، وقد دفعته حاجته إلى مداواة عينيه إلى أن يتصل بعبد العال الذى كان يافعًا فى ذلك الوقت ثم صار فيما بعد خليفة له. وله كرامات وخوارق ذكرت المصادر الكثير منها بشيء من التفصيل. وقد أخملت شهرة أحمد منذ وصوله طنطا كل من كان فيها من الأولياء، وأبى حسن الإخنائى أن يعترف بأحمد فارتحل عن طنطا؛ وخضع له سليم المغربى فاستطاع بذلك أن يظل فى هذه المدينة، بينما دعا أحمد على حاسده "وجه القمر" فخرب مزاره واعتزله الناس, ويقال إن معاصره الملك الظاهر بيبرس كان يقدره وأنه قبل قدميه. ولما كان تلاميذه قد اعتادوا المكث فوق السطح معه فقد سموا لذلك بـ "السطوحية" أو"أصحاب السطح"، وتصفه الروايات فى ذلك الوقت بأنه كان ضخمًا قويًا عريض العظام قمحى اللون (وهو اللون الغالب على سكان شمالى مصر, أما المراكشيون فلونهم فى الغالب أدكن من ذلك) أقنى الأنف عليه شامتان، وتظهر فى وجهه أثر ثلاث نقط من الجدرى