إلى عام ١٧٥ هـ (٧٨٩ - ٧٩٢ م) في عهد هارون الرشيد، ولا بد أن تكون ولاية دعبل قد وقعت في هذه الفترة نفسها على أرجح الأقوال، وقد أدى دعبل فريضة الحج قبيل عام ٢٠٠ هـ (٨١٥ - ٨١٦ م) ثم شخص إلى مصر قاصدا المطَّلب بن عبد الله أحد أفراد قبيلته، وكان واليا على مصر من عام ١٩٨ حتَّى رمضان من عام ٢٠٠ هـ (٨١٣ إلى أبريل - مايو سنة ٨١٦ م) وقد نظم القصائد في مدحه، فأجزل له العطاء وولاه على أسوان، غير أنَّه فقد رضاء مولاه الذي أحسن إليه، وسرعان ما عزل عن منصبه بسبب هجائه له. والراجح أن هذا الهجاء قد نظم في عهد أقدم من ذلك.
والظاهر أن دعبل أسرع بالعودة إلى العراق، وشاهد ذلك أنَّه لما استخلف بنو العباس ومواليهم ببغداد (٢٥ ذي الحجة عام ٢٠١ = ١٤ يوليه عام ٨١٧) عم المأمون، إبراهيم بن المهدى المغنى وراعى الفنون والآداب في غيبة الخليفة في خراسان، هجاه دعبل هو والعباسيين عامة هجاء مرا، ومن قوله في ذلك.
إن كان إبراهيم مضطلعا بها ... فلتصلحن من بعده لمخارق
ولتصلحن من بعد ذاك لزلزل ... ولتصلحن من بعده للمارق
أنى يكون وليس ذاك بكائن ... يرث الخلافة فاسق عن فاسق
وكان من الطبيعى أن يشتد غضب إبراهيم بن المهدى لإدخاله في زمرة "الفاسقين"، فلما عاد إلى الخضوع لابن أخيه المأمون ونال صفحة، طلب معاقبة دعبل أشد عقوبة، غير أن هذه الأبيات أفعمت قلب الخليفة بالسرور، بل شفت ما في نفسه من موجدة، وهو أمر من اليسير أن نتوقعه منه، فغفر للشاعر كل ما قاله فيه وفي آل بيته، وبلغ من أمره أنَّه اغتفر البيت الذي يتفاخر فيه دعبل بأنه من أبناء القبيلة التي خرج منها قاتل أخيه ونعنى به طاهر بن الحسين قائد المأمون وفاتح بغداد.
وهذه القصة لا يستبعد وقوعها بحال، بيد أن انتقاض العباسيين في بغداد والمناداة بإبراهيم خليفة يرجع