أصلها في الواقع إلى أن المأمون قد اختار في أثناء غيبته في خراسان على ابن الرضا الإمام الشيعى الثامن خليفة له، وكان دعبل طوال حياته شيعيا مخلصًا، فقد نظم القصائد في مدح على الرضا فخلع عليه خلعة من ثيابه احتفظ بها احتفاظه بأثر شريف. ويقال أَيضا إنه تلقى عشرة آلاف درهم من الدراهم المضروبة باسمه (الأغاني، ج ٨، ص ٤٢ وما بعدها). ولعل تظاهر المأمون بصداقة العلويين قد دفعت دعبل إلى مسالمة هذا الخليفة. ومهما يكن من شئ فإن دعبل نظم في الفترة التي أعقبت ذلك القصائد في مدح العباسيين. ويقال إن عبد الله بن طاهر قد تلى إحداها على الخليفة.
وقد احتفظ دعبل برضاء الخليفة مدة طويلة، ولعل الخليفة رأى فيه أداة نافعة. ثم إن دعبلا لم ينله أذى من عداوة إبراهيم بن المهدى الذي رجع إلى مصافاة الخليفة ولا من أَحْمد بن أبي دؤاد القاضى المعتزلى، في حين أن الخليفة كان يجد لذة في هجاء دعبل اللاذع لكاتبه أبي عباد. وتوفي على الرضا في آخر صفر عام ٢٠٣ (أغسطس سبتمبر ٨١٧) وفي التاسع والعشرين من ذي القعدة عام ٢٠٧ (١٥ أبريل عام ٨٢٣) استبدل علم العباسيين الأسود بعلم العلويين الأخضر، وهذا هو آخر تاريخ (٢٠٧ هـ = ٨٢٣ م) في ذلك العهد يمكن أن يكون دعبل قد عاد فيه إلى مناوأة العباسيين. وقد يكون دعبل نظم في هذا التاريخ أو بعده بقليل تلك القصيدة التي يصف فيها هارون الرشيد بأنه شر الرجال وبأن العباسيين بوجه عام ليسوا أهلا للخلافة بل أقل استحقاقًا لها من الأمويين.
وقبيل انفصام هذه الصلات الودية بين دعبل والبلاط العباسى بدأ نضال آخر استرعى اهتمام معظم أفراد المجتمع البغدادي سنوات بل عشرات السنين: ألا وهو نضال دعبل مع الشَّاعر أبي سعد المخزومى. فقد كان هذا الشَّاعر يشايع عرب الشمال (النزاريين) وينتقص من عرب الجنوب (القحطانيين) في حين كان هوى دعبل على خلاف ذلك، فبينما نجد أن أَبا سعد