يلزم جادة الاعتدال أمدًا طويلا في هجائه من غير أن يخرج عن الصور المألوفة للقصائد البدوية القديمة إذا بدعبل يقذع في هجائه له ويصطنع لغة السفلة من النَّاس. وقد نشأ من ذلك أن العلماء هم وحدهم الذين عنوا بأشعار أبي سعد، في حين كانت أشعار غريمه يتغنى بها شباب بغداد في الطرقات. وكان دعبل نفسه يسهم في هذا التغنى بنصيب. واستمر هذا الخصام حتَّى عهد المعتصم خليفة المأمون، وبقيت لنا قصيدة من قصائد أبي سعد حاول في آخر بيت منها أن يستدرج المعتصم ويشركه في النزاع القائم بينه وبين دعبل. وقد ابتلى المعتصم نفسه ثامن الخلفاء العباسيين بهجاء دعبل المر عند اعتلائه عرش الخلافة وعند وفاته. إذ يقال إن دعبلا قال هذا البيت:
خليفة مات لم يحزن له أحد ... وآخر قام لم يفرح به أحد
وقد نظم الوزير مُحَمَّد بن عبد الملك الزيات مرثية عند وفاة المعتصم فما كان من دعبل إلَّا أن رد عليه بهجاء لا مثيل له دعا فيه على الخليفة بقوله:
اذهب إلى النَّار والعذاب فما ... خلتك إلَّا من الشياطين
وأخيرًا هجا دعبل المتوكل، وهو آخر خليفة حضر دعبل عهده، ومن الطبيعي أن وزراء الخليفة وعماله لم يسلموا من هجائه ولم يكونوا أحسن حالا.
وكانت نهاية دعبل متفقة ومسلكه طوال حياته فقد عاقبه إسحاق بن العباسى وإلى البصرة وقتذاك عقابًا صارما لهجائه عرب الشمال. ولما أطلق سراحه فر إلى الأهواز. ويقال إنه قتل غيلة فيها بقرية الطيب عام ٢٤٦ هـ (٨٦٠ - ٨٦١) بتحريض رجل يدعى مالك بن طوق، وكان قد أثاره بهجاء قارس. على أن تفاصيل هذه القصة التي تروى خبر مقتله مشكوك فيها إلى حد كبير على ما يظهر. وأصوب من ذلك أن نذهب إلى أنَّه تُوفي متأثرًا بالمعاملة السيئة التي لقيها في البصرة، وكان قد بلغ من العمر ثمانية وتسعين سنة هجرية.
ومن الدلائل البينة على ما كان لأشعار دعبل من شأن أن والي البصرة