نصيب كبير في ازدياد نعرة التعصب الديني في دمشق، فأصبحت بذلك أعظم حصون الإِسلام.
واقترن اسم دمشق في العهود المتأخرة باسم صلاح الدين، بل إن شعراء الغرب المعاصرين أنفسهم قد أشادوا بمجدها بوصفها مقامًا له، ومع ذلك فإن سلفه نور الدين هو الذي أسبغ على المدينة في الحقيقة طابعها الذي عرفت به، فقد زاد في تحصينها بتجديد أسوارها بأبراجها وأبوابها، وشيد مسجدًا في شمال قلعتها، وفتح في هذه الناحية منها بابًا جديدا هو باب الفرج، وبنى بالقرب منه دار العدل أو دار السعادة (انظر المجلة الأسيوية، السلسلة التاسعة جـ ٧، ص ٢٤٦؛ حاجى خليفة، جهاننما ص ٥٧٢) والراجح أن هذه الدار كانت قائمة كما يستدل من قول كريمر (Von Kremer: Topographie جـ ١، ص ١٤؛ جـ ٢، ص ١١) في موقع سراى الحربية الحالية وظلت مستعملة حتَّى العصر التركى قصرا للحاكم. ولكن أشهر هذه الأبنية هي التي أقامها للبر والتقوى، ولا نستطيع هنا أن نذكر إلا أهمها، أي المدرسة الخاصة بالحديث، وهي أقدم مدرسة من نوعها، وقد درس فيها ابن عساكر (: Goldziher Muh. Studien جـ ٢، ص ١٧٦ وما بعدها) ثم البيمارستان المشهور المعروف بمارستان نور الدين، ولا يزال قبره قائمًا في المدرسة النورية التي نسبت إليه، يبجله النَّاس ويحترمونه.
ومات نور الدين سنة ٥٦٩ هـ (١١٧٤ م) فوقع جل مملكته، بما فيه دمشق، في يد صلاح الدين بن أيوب، وكان صلاح الدين قد استقل بأمر مصر بالفعل. وقد أكسبت انتصاراته دمشق عزا لم تحلم به من قبل.
والحق أن النشاط الذي بدأه نور الدين في إقامة العمائر لم يخمد؛ إلا أن الحروب المتصلة التي خاض غمارها صلاح الدين لم تترك له فسحة يوجه همه فيها إلى توطيد دعائم السلام.
وتوفي صلاح الدين بعد عقد الصلح مع رتشارد الأول (قلب الأسد) بستة أشهر لسبعة وعشرين يومًا خلت من صفر عام ٥٨٩ هـ (٤ مارس ١١٩٣ م)